.. أيام كان البرلمان!

.. على سيرة الانتخابات النيابية، والقتل، والاعتقالات، تحضرنا أيام أواخر الأربعينيات ومطالع الخمسينيات في عاصمة بني أميّة. .. كنّا طلاباً في الثانوية، وكنّا نقرزم الشعر والمبادئ الحزبية، ونحب النساء – النسخ عن الممثلة الأميركية السويدية انغريد برغمان. لكننا في غمرة كل ذلك كنا نعشق حضور جلسات البرلمان ومتابعة عصام المحايري، وخالد العظم، ومحمد المبارك، ومصطفى السباعي وأكرم الحوراني أبو جهاد فقد كانوا فرسان الحياة البرلمانية. التي لا تخلو اخبارها من طرائف!. ونذكر أن قصيدة خبز وقمر وحشيش لنزار قباني كانت قد أثارت عاصفة طالب فيها نواب الاخوان بعزل الموظف الصغير في الخارجية لأنه «مسَّ الدين»، وحدث بعد أيام أن قام بائع الاسطوانات المقابل لمدخل البرلمان باطلاق أغنية «يا عوازل فلفلوا» من مكبر الصوت لدى صعود الأستاذ مبارك.. فقامت القيامة على نزار، وعلى الأغاني الخليعة التي تبثها الإذاعة «وبعض الأمكنة»!!. لقد كانت انتخابات تشرين 1954 آخر انتخابات ديمقراطية حقيقية، ومنها صار البرلمان لا يغري أحداً بحضور جلساته، وصار للحياة طعم الدم في الفم، والرعب، وزنازين المزه ومخفر الشيخ حسن وتدمر.. وصار للتقدمية وسائل متقدمة منها اذابة الناس بالاسيد، أو صب أجسادهم مع «الباطون» لدى توسعة السجون والمعسكرات!!. وتحوّلت الحياة الحزبية، خارج اطار السحق بالبساطير، سيركاً عناوينه جلادو المكتب الثاني، وألف جهاز مخابرات!!. كيف يجري نظام العائلة انتخابات في الوقت الذي يتدخل العالم بمراقبيه بين الشعب الغاضب والسلطة القمعية؟!. وأي نواب ستفرز درعا وريف دمشق وحماة وحمص وإدلب وجسر الشغور ودير الزور وحلب؟ وكيف سيتعامل اتحاد البرلمانات العربيّة والدوليّة مع هذا الجسم الملطخ بالدم؟!. لا أحد يعرف!. نسمع عن «المواقحة» في كل كتب التاريخ قديمه وحديثه، نسمع عن فصائل الديكتاتوريات بشعوبها وتزييف إرادتها، واصطناع برلماناتها وحكوماتها وأحزابها، ولكن هذا النمط من القتل والانتخاب، من السجون وغرف الاقتراع، من المرشحين والشهداء من برلمان فارس الخوري إلى برلمان عبدالحميد السراج، والزعبي الذي يجلس على كرسي الرئاسة، أو على كرسي الانتحار... فعالم اخوتنا في الشمال عالم عجيب لا يستدعي غير دموع الدم!!.