نحتاج إلى شراكتهم لكي نضمن مشاركتهم!

لكي يندمج الناس في مشروع الاصلاح يُفترض أن يشاركوا فيه، لكن حين يتم «تصميم» هياكل الاصلاح بغير منطق الشراكة سيشعر الكثيرون أنهم خارج اللعبة وسيحجمون بالتالي عن النزول إلى الميدان مكتفين بالجلوس على مقاعد المتفرجين.
من المفارقات أننا في خضم حديثنا الطويل عن الاصلاح، لم ننتبه إلى أن الذين كلفوا بصياغة «نسخته» المطلوبة كانوا في الأغلب من لون سياسي واحد، فيما غابت المعارضة ومعها «دعاة الاصلاح» الذين نزلوا للشارع من أي قائمة اسند اليها القيام بهذه المهمات.
خذ مثلاً، لجنة التعديلات الدستورية، وخذ ايضاً الحكومات الاربع التي توالت في «عام الاصلاح» ، ستجد أن جميع المكلفين من خارج الفريق الذي ما زال واقفاً في الشارع ومطالباً بمزيد من الاصلاحات، وهذه – بالطبع – مفارقة، فبينما يجري تسويق «مشروع» الاصلاح في محاولة لاقناع الناس بأنهم جميعاً شركاء فيه، يفاجأون بأن مضامينه ما زالت دون المطلوب، وبأن الأشخاص الذين انتدبوا لصياغته واعداد «نسخه» والاشراف على تنفيذه ينتمون في الغالب الى لون سياسي واحد، وبأنهم بالتالي «غائبون» او «مغّيبون» ولا علاقة لهم به، الاّ أن حضورهم في النهاية مطلوب.
كنت اتصور أننا اسقطنا في «مرحلة الاصلاح» افكاراً كثيرة: فكرة الاقصاء وفكرة التجاهل وفكرة الوصاية، لكن يبدو أننا لم نفعل ذلك، فما زلنا محكومين للأسف لمنطق الحذف والاعتماد على أهل الثقة فقط، أما الاخرون الذين نعتقد – للأسف – أنهم «يلعبون» في الشارع فلا نصيب لهم ولا اعتبار، وكأنهم مجرد «ارقام» صماء خارج الحسبة.. والمشكلة أننا نطالبهم فيما بعد بالمشاركة في العملية السياسية والتماهي فيها، وكأنهم جزء منها، فيما الحقيقة أننا تعمدنا «اعداد» المائدة بعيداً عنهم، ووضعنا ما عليها من أصناف لا تتناسب مع «أذواقهم».. المسالة – بالطبع – لا تتعلق «بأشخاص»، فالجميع «خير وبركة» لكن الدخول في عملية الاصلاح، يفترض أن يخضع لمنطق المشاركة التمثيلية ومنطق التوافق الوطني، بمعنى أن يشارك الجميع من مختلف الألوان والتيارات السياسية في «الاعداد» لكي نضمن مشاركتهم في «النتائج»، ويشاركوا في «تهيئة» التربة لتضمن شراكتهم في الحصاد.. هذا ما كان يفترض أن ينطبق على كل اللجان والهيئات وحتى الحكومات التي «ولدت» في المرحلة «الانتقالية».. لكن ما حصل كان بعكس هذا الاتجاه، حيث أبقينا من في الشارع مكانهم ولم ننجح بدفعهم الى «الطاولة» فيما منحنا غيرهم فرصة النهوض بعملية الاصلاح.
لكي ننجح في اخراج «عملية» الاصلاح من «أزمتها» ومخاضاتها الطويلة، لا بدّ أن نتوافق على «الفكرة» ونؤمن بها جميعاً، ثم لا بدّ أن يشارك الجميع في «اعدادها» وبناء الأعمدة التي تقوم عليها، سواء أكانت تتعلق بمداميك «التشريعات» أم «المقررات» أم الاجراءات التنفيذية والادارية، ومن دون ذلك فإن «شهية» البعض ستظل مفقودة للمشاركة في أي مرحلة نشعر فيها بالحاجة، بل والضرورة – لمشاركتهم، وهذا اسوأ ما يمكن أن نصل اليه إذا قدّر لمشروع الاصلاح أن يتحرك باتجاه «المحطة» التي نريد أن يصل اليها...