بماذا ستثرثر آبارنا؟!

لن أعلق على الدراسة العلمية التي قامت بها أستاذة علم الاجتماع في جامعة ميشيغن الأميركية الدكتورة (مارغريت باول)، والتي أكدت فيها أن المرأة المصرية لا تستطيع حفظ الأسرار أكثر من 38 ساعة. وبالطبع لن أجرؤ على الاستفسار عن إمكانية سحب هذه النتيجة على كل النساء العربيات!. بل سأنسحب إلى متن التاريخ. فالموتى لا يأبهون بثرثراتنا وهمزاتنا.
فما يروى عن الاسكندر الأكبر، أنه كان بقرنين صغيرين يكبران شيئاً فشيئاً في رأسه، وربما سمّى بذي القرنين لذلك، لا لأنه اجتاح شرق الأرض ومغربها. وسرّ هذين القرنين الخفيين، لم يكن يعلم به إلا حلاقه الخاص. ومن عادة الحلاقين أن حبة (البوشار) الهشة لا تبتل بأفواههم، لكثرة كلامهم ورطنهم، وربما نحب الحلاقين لهذه الصفة، فحينما نسلمهم رؤوسنا أو أذقاننا لمقصاتهم وأمواسهم نفرح لسيل أسرارهم الهدار، وبهذا ننفس عنا.
وحلاق الاسكندر المسكين يعرف تماماً ما معنى أن يبوح الواحد بسر الإسكندر، فهذا يكلفه. لكن السر جمرة ملول (شجر حرجي جمره قوي ويدوم طويلاً) ملتهبة تحرق حشاشة الصدر، ولهذا طلب نصيحة من الفيلسوف: يا معلمي، إنني يحرقني سرٌّ عظيم، لا أقدر أن أبوح به لأحد، وإن أبقيته في صدري أكل شحمة قلبي، وقتلني: أريد أن أنفس عني يا حكيم!.
الفيلسوف يعي ما يعنيه حفظ السر من صعوبة وجلد، ويعي أيضاً ما عقوبة من يجرؤ على البوح بأسرار الإسكندر، ولهذا نصح الحلاق أن يذهب إلى جوف الصحراء، ويحفر بئراً عميقة، يدخل رأسه بفمها، ويصرخ بكل ما أوتي من قوة، وينفس عن نفسه ويبوح بالسر!. والعرب ايضا، كانوا يتخذون جرة فخارية مدفونة في الصحراء للتنفيس عن أسرارهم الحراقة.
استطاع الحلاق الثرثار، أن ينفِّس عن كربه أخيراً، وأطفأ جمرة سره الخطير، الذي ما لبث أن تناقلته الآبار الثرثارة فيما بينها، وبهذا شاع السر في اذن الزمان حتى وصل إلينا. فهل حاولتم أن تنصتوا ذات مرة إلى هدير وخواء الآبار الفارغة؟! ( الدستور )