حول تنمية المحافظات

لو كانت مسألة تنمية المحافظات عملية روتينية عادية لما احتاجت إلى مبادرة ملكية لإعطائها قوة دافعة، فهي عملية كبيرة تقف في وجهها تحديات عديدة.
التحدي الأول هو عدم توفر أموال فائضة في الموازنة العامة حتى يمكن توجيهها إلى صندوق تنمية المحافظات، ولذا فقد اكتفت الحكومات باتخاذ إجراءات محدودة مثل تخصيص مبالغ رمزية للصندوق لا تزيد عن 25 مليون دينار سنوياً، مما لا يرتفع إلى مستوى التحدي.
التحدي الثاني أن تجربة العمل بموجب صناديق مستقلة عن الموازنة العامة تعرضت للصعوبات والشكوك والاتهامات، كما حدث لبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، فالأصل أن جميع إيرادات الدولة تدخل الموازنة وجميع نفقاتها تخرج من الموازنة.
المبادرة جاءت على أثر استلام مليار دولار كمنحة سعودية للخزينة الأردنية، وقد أراد جلالة الملك أن تستفيد المحافظات من هذا المبلغ الاضافي بشكل ملموس، ولكن المليار تبخر على الفور إذ ابتلعته المديونية بمجرد أخذه في الحساب. المنحة السعودية لم تحقق فوائض قابلة للتخصيص لأية أغراض غير تقليل الحاجة للاقتراض.
الرغبة الملكية في إحداث تنمية للمحافظات، خارج عمان والزرقاء، تظل موجودة وملحة وتستحق البحث عن وسائل لتحقيقها، ليس في حدود 25 مليون دينار سنوياً بل أكثر من ذلك بكثير. والحل هو إحداث تغيير ذي معنى في بنية الموازنة العامة، واستبدال بند النفقات الرأسمالية ببند جديد هو تنمية المحافظات.
ليس للنفقات الرأسمالية من معنى إذا لم تكن موجهة لتنمية المحافظات بشكل مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة، طرق وجسور وسدود، مدارس ومستشفيات ومراكز صحية وغيرها من المرافق العامة التي تقدم خدمة اقتصادية أو اجتماعية للمحافظات.
قرارات التنمية على مسـتوى المملكة لا تنجح إلا ضمن مخطط شمولي، وإدارة مركزية، تملك الصورة العامة للموارد المالية المتاحة، وتقرر أفضل وسائل تخصيصها لمختلف الأغراض وفق أولويات مقررة على أسس موضوعية وعلمية. أما القول بأن أهل المحافظات أدرى باحتياجاتهم فليس صحيحأً، وترك المسألة للضغوطات المحلية والمصالح الضيقة والاعتبارات الخاصة لا تحقق أفضل النتائج، كما أن المسؤولية في التصرف في المال العام تقع على كاهل وزارة المالية التي لا تستطيع ولا يجوز لها تفويض صلاحياتها لزعامات محلية غير مسؤولة أمام أية جهة. ( الرأي )