مالقا, أردن الاندلس

من نماذج الاعمال القليلة التي تذهب وراء التاريخ وفي بطونه, اضاءة وتحقيقا وتحققا, دراسة الدكتور صلاح جرار التي صدرت مؤخرا تحت عنوان »مدينة مالقا- أردن الاندلس«.
فأما الدكتور جرار فهو غني عن التعريف بدراساته حول الأدب الاندلسي وبموقعه على رأس وزارة الثقافة, وأما الدراسة فهي بحاجة الى تعريف فحواها وموضوعها المدهش الفريد الذي يضيء جوانب منسية من صفحات قبائل جند الاردن ودورها في فتح الاندلس, وتثبيت اركان الدولة الأموية فيها, فضلا عن تاريخ حافل وخاص لها في مدينة مالقا من كورة رية الاندلسية ..
فبعد ان يقدم الدكتور جرار توطئة ضرورية للأجناد الخمسة التي رافقت الفتح الاسلامي الاول لبلاد الشام, وهي جند دمشق وجند حمص وجند قنسرين وجند الاردن »بضم شمال الاردن وشمال فلسطين وساحلها الشمالي اضافة لمنطقة صور« وجند فلسطين »جنوب فلسطين الحالية وقسم من جنوب الاردن الحالي« يقدم تواطئات او خلفيات اخرى في التجاذبات السياسية - القبلية آنذاك »اليمانية ومنها قبائل جند الاردن مقابل القيسية, والعدنانية وكذلك العرب والأمازيغ (البربر)« ...
ويخبرنا او يضعنا في صورة ما يبدو تحالفا تاريخيا بين قبائل جند الاردن اليمنية الأمويين.
وينقلنا في ضوء ذلك الى الموجات المتتالية لهذه القبائل في حركتها من الشرق الى الاندلس بدءا من الموجة الاولى مع طارق بن زياد وموسى بن نصير »من البلقاء اصلا« سنة 92 ه¯, الى الموجة الثانية زمن الخليفة عمر بن عبدالعزيز سنة 99 ه¯ الى الموجة الكبيرة بقيادة بلج القشيري وثعلبة بن سلامة »من قبائل عامله« سنة 124 ه¯, وقد لعبت هذه الموجة دورا كبيرا في إخماد ثورة للبربر, وصار فيها ثعلبة اول والٍ على الاندلس الى ان افسدته عصبيته اليمنية العربية ضد البربر والقيسية وهرب وانضم الى آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد وقتل معه على يد العباسيين ..
لكن عصبية ابن سلامه العاملي لم تمنع وريثه ابو الخطار الكلبي من الاهتمام بقبائل جند الاردن: »عامله- جذام- لخم- غسان- الاشعريون وغيرهم« ومنحهم مدينة مالقا كما منحت غرناطة لجند دمشق, واشبيلية لجند حمص, وشذونه لجند فلسطين.
ومنذ ذلك الوقت عرفت ملقا او مالقا بأردن الاندلس وصار سكانها يعرفون بالاردنيين واشتهرت بصناعة الزجاج والفخار وزراعة اللوز والتين والزيتون والرمان, وجاء ذكرها على لسان شاعرها آنذاك ابو عبدالله الجذامي بقوله:
بدر الكمال الذي في القلب مسكنه
وان نأى بي وبالاردن مطلعه ( العرب اليوم )