المخيم والغلاء والحراك.. سياق حتمي .

أيهما أفضل: أن يشارك المكون الفلسطيني «المخيمات تحديدا» في الحراك الشعبي المطلبي والسياسي، أم نتركه يدخر أقوى انفعالاته إلى لحظات ليست بالحسبان؟
دعونا نعترف أن سكان المخيمات، أو قل الكتلة ذات الأصول الفلسطينية، رضيت وعلى مر وجودها في الأردن بحد أدنى من المواطنة السياسية (نصف مواطنة أو ربع).
لكنها في المقابل كانت تعوّض ذلك بقدر كبير من العيش الكريم، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي؛ بمعنى أن القبول كان متوازنا، وفكرة الحقوق والواجبات كانت غير مخلة إلى الحد الذي نراه اليوم.
الجمعة الماضية خرجت مظاهرة جيدة الحجم في مخيم الحسين، وقد سارع البعض إلى اتهام الحركة الإسلامية بالسعي نحو استخدام المخيمات كضاغط في هذه المرحلة.
من حق الحركة الإسلامية سياسياً توظيف كل المعطيات التي تملكها من أجل تحقيق الهدف الإصلاحي الأكبر، كما أن من حق أجهزة الدولة إعطاء إشارة متأخرة لبعض كتابها كي ينتقدوا الحركة ويتهموها بشأن مظاهرة المخيم الأخيرة.
لكن في المقابل، دعونا نلتفت إلى تحليل أعمق يقدم لنا مسلمات تفسيرية لاحتمال انضمام المخيمات إلى الحراك الشعبي المطلبي أولا، ثم السياسي تالياً؛ بحكم التطور.
هناك الآن مدخل اقتصادي خانق تعاني منه كل المكونات دون استثناء، وردود الفعل عليه لا يمكن أن نقوم بتصنيفها على قاعدة الحساسيات التي تعشعش في أذهان المتكسبين منها.
المكون الفلسطيني يدفع الضرائب بانصياع واضح، وهو يرى نفسه الممول الأكبر للميزانية، وفي هذا التصور بعض المصداقية لابد من عدم إغفالها، كما أن المغتربين وجلهم ينتمون لهذا المكون يحولون لنا كل عام ما يزيد على المليارين.
إذن؛ يحق لهؤلاء أن يعبروا عن رفضهم السياسات الاقتصادية بالدرجة الأولى، ومن ثم يحق لهم أن يطالبوا بإصلاح سياسي يؤسس لحاكمية رشيدة اقتصادية، ويوسع مدى مشاركتهم السياسية بالقدر الذي يحافظ على حق العودة، ويراعي الحساسيات.
نعم المخيم عنوان فلسطيني، لكنه في المقابل عنوان أردني، وقد آن الأوان أن يجلس العقلاء ويضعوا كل الحساسيات على الطاولة، وأن يزنوها بمنظار حجمها الحقيقي، لا وفق أساطير تؤدي إلى قصور في فهم الواقع الاجتماعي والسياسي.
لن يسكت الناس على جوع أبنائهم، وعلى إغلاق ورشهم، وسيتحد الفقراء قريباً دون تردد، ودعوني أهمس بالقول إن حراكات الأردن ترى المواطنة بعين المواطنة، لا بعين المخاوف الكاذبة! ( السبيل )