"النكسة" في الربيع العربي

يفترض أن يكون الربيع العربي، من حيث هو انتصار للحرية والكرامة، نقيضاً لهزيمة حزيران 1967، التي تم بها احتلال كامل فلسطين، مضافاً إليها هضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية، ثم وبسبب ذلك، توطدت أركان الدولة الاستبدادية وليس العكس، باسم مواجهة العدو الصهيوني!ذاك هو الانطباع الأول، والمنطقي أيضاً. لكن الحقيقة أن ما يجمع "النكسة" و"النصر" كبير وعميق.. بل وقابل لأن يكون مخيفاً، وهو بعبارة بسيطة: قوة الشارع، وإساءة استثمارها!اليوم، تتيح لنا الوثائق والدراسات المستندة إليها معرفة كيف تم استدراج جمال عبدالناصر إلى الحرب التي لم يكن مستعداً لها وأرادتها إسرائيل، أو اعتبرتها "فرصة من ذهب" تستوجب السعي إلى اغتنامها وتهيئة ظروفها الدولية خصوصاً. وهكذا، لم تتعرض إسرائيل للهجوم خلال أيام الحرب الستة إلا من الجبهة الأردنية (رغم الشتائم والتهم التي كانت توجه للأردن "غير التقدمي" أو "الرجعي"، بالتعبيرات القومية الدارجة آنذاك!)، في مقابل شلل شبه كامل على الجبهتين المصرية والسورية.
وسواء عرف عبدالناصر أو لم يعرف بقدراته العسكرية مقارنة بالإسرائيليين، تظل النتيجة واحدة باتخاذه قرار الذهاب إلى الهزيمة! ذلك أن هذا القرار لم يستند إلى موازنات سياسية وعسكرية أبداً، وإنما إلى عواطف ورغبات الشارع المصري والعربي عموماً الذي بات عبدالناصر خاضعاً له وليس العكس. وإذا كان من درس وعبرة يستقيان اليوم من الهزيمة المذلة في العام 1967، فهما الاعتراف بالحقيقة القاسية المتمثلة في أنه عشية "النكسة" لم يكن عبدالناصر هو من يقود الجماهير، بل كانت هي من تقوده، حتى في قرار مصيري يحمل احتمالية الدخول في حرب!قوة الشارع أو الجماهير هي ما يجمع نكسة 1967 بالربيع العربي الذي خلقه المواطن العادي وحده. يضاف إلى ذلك حتماً تماثل عدالة المطالب في الحالتين: كرامة وحرية في وجه إسرائيل في الحالة الأولى، وكرامة وحرية في وجه الاستبداد في الحالة الثانية. ويبقى السؤال حول وجود القيادة الحقيقية للحراك الشعبي، لضمان إزهار الربيع فعلاً ديمقراطية وتنمية، ودرء الخشية من انتكاسته فوضى وعدم استقرار. وهذه القيادة، تعني حكماً، شخصيات وأحزابا ومؤسسات قادرة على تقديم الحقائق ووضع البرامج واجتراح الحلول الفعلية العملية، بدلاً من تزييف الواقع بخطاب "ما يطلبه الجمهور"، وبناء أحلام لا تلبث أن تستحيل إلى كوابيس.غياب هذه القيادة إلى الآن، في كثير من البلدان العربية، هو ما يفسح المجال للبعض (ممن يعتبرون أنفسهم قيادات شعبية، وكثير منهم ناصريون!) لحصر خيارات الإنسان العربي بين الاستبداد والفوضى. وإذ تدرك الأغلبية العربية زيف هذا الخيار، موقنة أن الفوضى والحروب الأهلية، وحتى الغزو الخارجي، ليست إلا نتيجة الاستبداد ذاته، يظل مطلوباً خلق القيادات لاختصار تكاليف المرحلة الانتقالية بين الفوضى التي يظل الاستبداد وحده مسؤولاً عنها، وبين ربيع الكرامة والحرية الإنسانية.( الغد )