في أميركا.. أكبر نسبة سجناء في العالم !

سيطرب الكثيرون لهذا العنوان ويشمتون بأميركا إذ يستنتجون منه أن الامبراطورية التي اذاقت شعوب العالم مر العذاب آيلة للسقوط اخلاقياً مادامت الجريمة فيها قد استشرت حتى امتلأت سجونها بالنزلاء بأعداد غير مسبوقة، لكن من الانصاف - قبل اطلاق الاحكام - الاطلاع على حقيقة هذا الحال المخزي والاسباب الكامنة وراءه وهل «الشعب» الاميركي هو المذنب المجرم الذي ملأ بابنائه وبناته سجون الولايات أم أن ظلماً خفيا قد دُبّر له !؟
في صحيفة النيويورك كتب آدم غوبنيك Adam Gopnik «إن حجم المحتجزين في السجون قد بلغ من الضخامة مستوى ليس له مثيل في التاريخ البشري حيث يقبع فيها ما يزيد على ستة ملايين أميركي اي أكثر من أولئك الذين حُشروا في معسكرات العمل الاجباري في الاتحاد السوفيتي في عز اكتظاظها تحت حكم ستالين « فالاحصاءات تظهر أن في الولايات المتحدة الآن 760 سجينا لكل 100 ألف مواطن بالغ وهذه النسبة أعلى بكثير مما في باقي الدول المتقدمة إذ تبلغ 7 - 10 أضعافها ! ففي اليابان مثلا 63 لكل 100 ألف وألمانيا 90 وفرنسا 96 وكوريا الجنوبية 97 وفي بريطانيا - وهي من أعلى النسب - 153 ! وهذه الفجوة الواسعة ليست قديمة بل حدثت فقط في الاعوام الثلاثين الماضية، فما الذي تغيرّ لكي يُزجَّ بكل تلك الملايين من الاميركيين في السجون؟ هنا يتابع البحثَ الكاتبُ الاميركي فريد زكريا في مقاله على Information Clearing House بتاريخ 25/3/2012 مفسّراً الزيادة بانها نتجت عن خصخصة السجون في اكثر الولايات حيث أصبح العديد منها ملكاً لشركات خاصة هدفها الربح ومن مصلحتها أن يزيد عدد الزبائن اي المساجين الذين تتقاضى اجور اقامتهم من الحكومة الاميركية ! وأصبح لهذه الشركات «لوبيات « قوية داخل حكومات الولايات والكونغرس للترويج لعقوبات جديدة تزج بمزيد من الناس في السجون وليس هناك أكثر جاذبية للراي العام من التذرع بالحرب على المخدرات ! وقد اتفقت سياستا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ضرورة توسيع التشريعات لشن وكسب هذه الحرب حتى أصبحت تهمة بسيطة كحيازة مخدر مهما قلت كميته تعاقب بالسجن ما أدى في عام 2009 الى القبض على 1.66 مليون مواطن أي أكثر من كل الذين احتجزوا بالتهم المعروفه الأخرى كالاعتداء المسلح او السرقه ! وارتفعت نسبة المحكوم عليهم بسبب المخدرات من 15 نزيلا لكل 100 ألف عام 1980 الى 148 عام 1996 وهو ما يقارب العشرة اضعاف ! ومن المهم هنا أن نعلم ان إنفاق حكومات الولايات على السجون بسبب ذلك في العشرين سنة الماضية قد فاق بست مرات الانفاق على التعليم العالي، فمثلا عام 1980 بنت كاليفورنيا جامعة واحدة مقابل بناء 21 سجناً ! ويكلفها طالب الجامعة سنويا 8667 دولاراً في حين يكلفها السجين 45006 من الدولارات ! ويستنتج زكريا في نهاية مقاله «ان خصخصة السجون التي تطلبت استنباط تشريعات تساعد على إدخال مزيد من الناس في السجون لزيادة ارباح الشركات المالكة لها قد أدت الى نتائج مفزعه على كل الاصعدة بالاضافة الى أنها خلقت من النزلاء طبقةً سفليةً هائلةَ الحجم عاطلةً عن العمل اي غير منتجه لا بل تكلفنا نفقات ضخمه وكل ذلك باسم حرب «مقدسة» على المخدرات خسرناها حتى قبل أن نبدأها!»..
وبعد.. إذن، لا شماتة بالشعب الاميركي الذي «جعلوه مجرماً» انصياعاً لآليات اقتصاد السوق حيث لسجن تجارة والجشع الذي لا يشبع ! ( الرأي )