نصيحة الشيخ القرضاوي والدين والأخلاق

النّصيحة التي قدّمها الشيخ يوسف القرضاوي حول شراء الأصوات في مصر عجيبة غريبة، تتلخّص في أنّ من يتعرّض من الناخبين إلى إغواء شراء صوته مقابل مبلغ من المال أو غيره، أن يأخذ الرشوة (الشيخ القرضاوي لم يُسمّها كذلك) ولا ينتخب المرشّح الراشي! وبرّر النّصيحة بقبول الرشوة أنّ النّاخب ربما يكون ممن يعملون الأعمال الثقيلة أو أنّه محتاج إلى هذا المبلغ فيقبل المبلغ، وقد يُطلب إليه أن يُقسمَ بالله أو على المصحف، فليُقسم... ولكن بعد ذلك عليه أن لا يمنح صوته لهذا المرشح بل يمنحه للمرشّح "الأصلح"، لأن صوته أمانة عليه أن يحفظها، ولأن التصويت للمرشح الفاسد جريمة تُضاف إلى الجريمة الأولى (التي هي قبول الرشوة) وهي شهادة زور. والحق أن الشيخ القرضاوي الذي أباح قبول هذا النوع من الرشاوي لم يصفه بالجريمة إلا على سبيل زلة لسان. وإلا فكيف يُشجّع على جريمة هو نفسه وصفها كذلك؟في هذه النصيحة القرضاوية، التي لا ترقى إلى مرتبة الفتوى وإن كانت تلامسها، خلل في تعريف الجريمة، وخلل في تعريف الأخلاق وفي تعريف الرشوة وتعريف شهادة الزور. فأن يقول داعية بقامة الرجل بجواز قبول الرشوة في الانتخابات وإن تحديداً (مع أنه لم يحدّد)، يعني أنّه قال بجواز الرشوة إطلاقاً. فلا يوجد في الدين ولا في الأخلاق ما يسمح لا بالنصّ ولا بالقياس ولا بالاجتهاد بأن يخالف المرء والمرأة المنظومة الأخلاقية التي اتفقت عليها الإنسانيّة أو المجتمع أو الدين إلا عند الضرورة القصوى، وهي الحياة أو الموت. فمثلاً: توقف عمر بن الخطاب عن تطبيق حدّ السرقة في عام الرمادة، ولكنّه لم يقل أبداً إن السرقة جائزة إذا كان الإنسان مضطراً. بمعنىً آخر: إن إجازة الخلل الأخلاقي بنص يبدأ بجملة كالتالية: "يجوز للناخب أن يقبل شراء صوته على أن لا ينتخب الراشي" تعني أنك تستطيع القول بأن تسرق من الغني مادام لا يؤذيه ولا يسبب له فاقة، وتستطيع أن تحتال مادام ذلك على حكومة فاسدة، وتستطيع أن تشتم مادام المشتوم كافراً أو شريراً، وتستطيع أن تغشّ في الامتحانات مادام يترتب على ذلك مستقبلك، وتستطيعُ وتستطيع وتستطيع...والأسئلة التي تتوالى على نصيحة القرضاوي هي: ما رأي فضيلته بأرسين لوبين اللص الشريف؟ يسرق من الأغنياء ليُعطي أهل الحاجة والضائقة؟ وهل لاحظ أنّه في نصيحة تلامس الفتوى قد أجاز جريمتين: قبول الرشوة واليمين الكاذبة؟ وكيف سيستطيع المرء والمرأة بعد ذلك أن يميزا بين ما هو جائز في كسر قوانين الأخلاق وبين ما هو غير جائزٍ ومحرّم إطلاقاً؟ وما هي الضرورة هاهنا التي على أساسها تجوز الجريمة؟ أهي قضية حياةٍ أو موت، أم مجرّد خضوع تحت إغواء المال؟يبدو لي أنّ هذا الاضطراب لدى الشيخ القرضاوي في قراءة الواقع السياسيّ والمدوّنة الأخلاقيّة سببه السنّ المتقدمة لا جهل الرجل طبعاً. فهو عالم جليل، نفع بعلمه أناساً كثيرة وقدّم عدداً من القراءات المستنيرة للإسلام، ولكنه، ومنذ جلوسه على كرسي الإفتاء السياسيّ (أي منذ عامٍ ونيف) كثر خطأه وخطله وتخليطه، مما يجعلنا نطلب إليه أن يرحم أهل الإسلام والعرب ويرحمنا من تصدّره التعليق السياسيّ والخوض في مجريات الأحداث مادام لم يعد قادراً
 فيما يبدو على التمييز بين الجريمة والاستقامة!ومن ناحية أخرى، هل لو أنّ مثل هذه النصيحة صدرت عن شخص ليبراليّ أو علمانيّ أو يساريّ هل كانت الجماعات الإسلاميّة سترحمُه؟دعونا لا نفقدُ الأملَ...( الغد )