حَجْبُ الفضائيَّات السوريَّة.. والسيناريوهات الخطيرة المتوقَّعة

من المتوقَّع أنْ يتمَّ حَجْبُ بثّ الفضائيَّات السوريَّة، الخاصَّة والحكوميَّة، قريباً، على قمري "عرب سات" و"نايل سات"؛ بناءً على قرار وزراء الخارجيَّة العرب، الذي أُتُّخِذ في اجتماعهم الأخير في الدوحة.
لا يمكن فهم هذا القرار بأيّ حالٍ من الأحوال؛ فإذا كانت الفضائيَّات السوريَّة، هي كما يصفونها، لا صدقيَّة لها ولا تأثير، وأنَّ روايتهم، هم، للأحداث هي الرواية الصحيحة والصادقة؛ فمعنى ذلك أنَّه لا ضرورة، مطلقاً، لحجب تلك الفضائيَّات؛ بل إنَّ وجودها يُعدّ، في مثل هذه الحالة، أكثر فائدة لخصومها مِنْ غيابها؛ لأنَّه يؤكِّد صحَّة رأيهم فيها، ويعزِّز صدقيَّة روايتهم للأحداث؛ خصوصاً أنَّه توجد، مقابل كلّ واحدةٍ من الفضائيَّات السوريَّة، مئات الفضائيَّات التي تبثّ رواية مناقضة لروايتها؛ وهذا عدا عن ألوف المواقع الإلكترونيَّة والمنابر الإعلاميَّة المختلفة؛ أمَّا إذا كانت هذه الفضائيَّات، بخلاف أقوال خصومها، تحظى بقدرٍ مِن الصدقيَّة، ولها متابعوها، سواء كانوا ممَّن يتَّفقون مع ما تبثّه، أو ممَّن لا يطمئنّون إلا برؤية الوجه الآخر للصورة، فإنَّ حجبها سيزيد مِنْ أهميَّتها وحضورها، وسيدفع متابعيها إلى البحث عنها على تردّداتها الجديدة، وإيلاء ما تبثّه مِنْ مادَّة إعلاميَّة اهتماماً أكبر من اهتمامهم السابق بها.
ثمَّة مفارقة لافتة هنا؛ فعندما اندلعت الانتفاضة الشعبيَّة في مصر، قام نظام حسني مبارك بالتشويش على الفضائيَّات العربيَّة التي كانت تنقل أخبارها؛ أمَّا في الحالة السوريَّة، فالفضائيَّات السوريَّة هي التي تقرَّر تغييبها، ومَن اتَّخذ هذا القرار هو النظام العربيّ. ونكتفي، هنا، بلفت النظر إلى ما توحي به هذه المفارقة مِنْ مغزىً كبير، ولكلٍّ أنْ يستخدم عقله ويخرج بالاستنتاجات التي يراها مناسبة.
على أيَّة حال، عندما يعمل طرفٌ ما، كلَّ ما بوسعه، لتغييب صوتٍ ما مختلف عنه، فمعنى ذلك أنَّ هذا الصوت يؤرقه ويمثِّل خطراً جدّيّاً عليه؛ ربَّما لأنَّه يكشف مِنْ أسراره ما لا يريد له أنْ يُكشف، وربَّما لأنَّه يزعزع صدقيَّة خطابه الإعلاميّ (أو الإعلانيّ) أو سواه؛ لكن ربَّما، أيضاً، لأنَّه يريد خلق حالة تعتيم شاملة تسمح له بالقيام، تحت ستارها الكثيف، بفعلٍ ما لا يمكن تبريره أو قبوله، ولا ضمان نجاحه إلا بضمان عدم كشفه. هذا الاستنتاج، سمح، خلال الأيَّام الماضية، برواج العديد من التكهّنات والتوقّعات والروايات، ربَّما كانت أبرزها الرواية التي سردها الصحافيّ الفرنسيّ المعروف تيري ميسان، عن اجتماعاتٍ جرتْ، وترتيباتٍ أُعدَّت، بمشاركة رجال أمن وسياسيين وخبراء نفسانيين وإعلاميين، عربا وأمريكيين وبريطانيين وفرنسيين، لتغييب الفضائيَّات السوريَّة، واستغلال ذلك، لإحلال فضائيَّات أخرى، محلَّها، على تردَّداتها الحاليَّة وبصورتها المعروفة، تشرف عليها المخابرات الأمريكيَّة، لتقوم، مِنْ خلالها، بترويج رواية إعلاميَّة زائفة، لكنَّها كبيرة وخطيرة، وقد جرى إعدادها بدقَّة وتقنية عالية، في استوديوهات أمريكيَّة وعربيَّة، بهدف استخدامها للتأثير، بقوَّة، على معنويَّات الشعب والجيش في سوريَّة، كما يأملون.
ولا بدَّ أنْ نتذكَّر، هنا، بهذه المناسبة، كيف استهدفت القوَّات الأمريكيَّة التلفزيون العراقيّ، مراراً، إبَّان عدوانها على العراق؛ وكيف استهدفت القوّات الأطلسيَّة، قبل ذلك بسنوات، التلفزيون اليوغسلافيّ، إبَّان عدوانها على يوغسلافيا؛ وكيف استهدفتْ "إسرائيل" فضائيَّة المنار عندما شنَّت عدوانها الغاشم على لبنان في صيف العام 2006؛ كما لا بدَّ أنْ نتذكَّر، أيضاً، القصص الإعلاميَّة التي أُعدّت بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وكذلك قصَّة حاضنات الأطفال الخداج، التي أُتُّهِم الجيش العراقيّ (وطبعاً الرئيس الراحل صدَّام حسين، نفسه، أيضاً!) بتدميرها وقَتْلِ الأطفال الموجودين فيها؛ وكذلك، قصَّة الطفلة حصَّة الشهيرة، التي تبيَّن أنَّها لم تكن موجودة في المنطقة كلّها آنذاك، بل في أمريكا. وفيما بعد، كشفت شركة إعلانات أمريكيَّة خاصَّة أنَّ البنتاغون كان قد كلَّفها بإعداد تلك الأخبار المفبركة والتي لا أساس لها مِن الصحَّة، مقابل مبلغٍ ماليٍّ ضخم. ومثل هذا، حدث (ويحدث) في أماكن أخرى كثيرة من العالم.
لقد خدمتْ تلك الفبركات، جميعاً، في وقتها، أغراضها اللئيمة المطلوبة مِنْ واضعيها كاملةً؛ وبالتالي، فلم يَعُدْ لكشفها، لاحقاً، أي بعد فوات الأوان، أيّ تأثير عمليّ على نتائجها.  ( العرب اليوم )