عندما تكون الثورة غير ناجزة

حتى تكون الثورة ناجزة ينبغي أن تملك المخالب القوية، وأدوات تأديب الفاسدين بشكل رادع، حتى تستطيع الاستواء على سوقها، والثورة في الأيام والأشهر الأولى، يجب أن تكون حاسمة وحازمة، وغير مترددة بالتعامل مع النظام البائد بكل مؤسساته،وكل رجاله، وكل من تعاون معه.
ليست ثورة ولا يجوز أن تسمى ثورة، إذا لم تستطع اقتلاع الفساد وتحطيم مؤسسات الفساد،ومطاردة الفاسدين ومحاسبة اللصوص وقطاع الطرق، واسترجاع ما نهبوا من أموال الشعب ومقدرات الدولة.
ما حدث في مصر درس بليغ وعظيم الأثر، لكل الشعوب العربية في فهم طبيعة التغيير وحقيقته،والوقوف على جوهر الإصلاح الحقيقي، وهو درس مؤلم لكل أصحاب الثورات الذين يعجزون عن الإتمام والإكمال، وتحقيق الإنجاز الكامل، ومن أهم الدروس المستفادة من الحدث المصري ما يلي:
أولاً: لا مشاركة ولا مهادنة مع الفاسدين الذين استمرأوا الفساد وأصبح من كينونتهم،وجزءاً من طبيعتهم التي لا تقبل التغيير، ولذلك يجب تخليص الشعب منهم ومن آثارهم، فضلاً على أن يبقوا جزءاً من قيادة المشهد العام، وأن السماح لهم بالتنافس من جديد على قمة الهرم فهذا ليس من الديمقراطية في شيء، ولا يمت إلى عالم الحريات بصلة، ويتنافى مع العدالة، إذ لا يجوز أن يفلت المجرمون من العقاب، ولا يجوز التساهل معهم في عصر الثورة، وفي كامل المرحلة الانتقالية.
ثانياً: الثورة يجب أن تكون لها قيادة معروفة ومحددة، ومن الجيد أن تكون القيادة مؤلفة من مجلس يضم كل مكونات الثورة الحقيقية والفاعلة، وهذا المجلس هو الذي يملك الشرعية الكاملة،وهو وحده الذي يملك الحق بإدارة شؤون البلاد بشكل مؤقت حتى تنتهي المرحلة الانتقالية، التي تهيىء للمرحلة التي تليها، ويجب تعطيل كل مؤسسات النظام البائد، وينبغي أن يتم تجريدها من كل مسؤولية صغيرة أو كبيرة.
ثالثاً: يجب على قيادة الثورة أن تضع خارطة طريق واضحة مبرمجة زمنيا، بحيث يتم انتخاب ( مجلس تأسيسي) يمثل الشعب تمثيلاً كاملاً وصحيحاً،وهو الذي يتولى وضع دستور جديد، وإيجاد المؤسسات الدستورية الرئيسية التي تتولى صياغة التشريعات الجديدة، ثم يتم انتخاب ممثلي الشعب وفقاً للدستور الجديد.
رابعاً: من صميم العدالة وقواعد الحرية أن يتم عزل كل أزلام النظام السابق،وكل المسؤولين عن إدارة مرحلة الاستبداد والفساد بلا هوادة، ولا يتم إدماجهم في الحياة السياسية،إلا بعد فترة زمنية يتم من خلالها التأكد من تأهيلهم للمرحلة الجديدة، وذلك بعد محاسبة كل الذين أخطأوا بحق شعبهم، واسترجاع كل ما نهبوه، وكل ما استولوا عليه بلا وجه مشروع.
والكلمة الأخيرة لكل الذين أصابتهم موجة سرور هستيرية نتيجة انقلاب العسكر، ولكل الذين ضحكوا من كل قلوبهم على ما جرى، ظناً منهم أن الأمور عادت للمربع الأول, نقول لهم : لا تفرحوا كثيراً, فالشعوب العربية عرفت طريقها, وكسرت حاجز الخوف، وعرفت الحقيقة، وتسلحت بالوعي، وهي مصممة على التحرر، ومصممة على استعادة كرامتها وحقوقها المسلوبة ومقدراتها المنهوبة، والمعركة طويلة ومستمرة،والنصر دائماً حليف الشعوب والجماهير، ولو عظمت التضحيات، وصدق الله العظيم القائل: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون". ( العرب اليوم )