مقالة عمرها عام ونصف!

كنت عائداً للتو من القاهرة في الرابع والعشرين من يناير عام 2011 ، أي قبل يوم واحد من اندلاع الثورة بدءاً من ميدان التحرير، وعندما سئلت من أصدقاء وزملاء عما يجري في مصر، أجبت بما لم يرق لهم، بسبب التفكير الرغائبي، وتعودنا على رؤية ما نريد. وفي لقاء مع عدد من زملائنا دعا اليه الصديق رئيس التحرير محمد حسن التل، قلت كلاماً هو ما حدث خلال الشهور الماضية وما يحدث الآن بالتحديد، ما أثار استغراب بل استنكار البعض، واضطرني الى القول بأنني لم أكن سائحاً في مصر أو تاجراً ، بل على صلة وصداقة مع أبرز مثقفيها ومنهم ساسة وقادة أحزاب ومفكرون معروفون في النطاقين القومي والكوني.
وبعدها بأقل من أسبوع قلت الكلام ذاته لكن بشيء من الحذر خشية الاستنكار بسبب تصاعد الحماس في بيت الصديق د. أمين محمود وبحضور عدد من المشتغلين في السياسة والاكاديميين البارزين منهم رئيس وزراء سابق ووزراء وأعيان ورؤساء جامعات وسفراء. وبعدها بشهرين تقريباً لم أتردد في طرح الرأي ذاته في منزل الصديق عدنان أبوعوده وبحضور وزراء خارجية سابقين وأصدقاء طاعنين في العمل السياسي.. وفي لقاء جلالة الملك مع نخبة من المثقفين سميت هذا الربيع العربي باسمه الحقيقي بعد مقارنة بين ربيع أوروبا عام 1848 وربيع براغ عام 1968، وقبل شهر فقط فوجئت بأصدقاء مصريين وعرب في نادي الصحافة بدبي يعترفون بأنهم لم يجرؤوا على تسمية ما يحدث عربياً باسمه وهو خريف نظم وليس ربيع شعوب. ولست أسعى من خلال هذا الاستذكار وبأثر رجعي الى احراز سبق من أي نوع، لأنني لو فعلت سأكون مثل ذلك الابن الأخرق الذي طلب من أمه جائزة لأنه سبق اخوته في ابلاغها عن اغتيال أبيه!
والآن اتساءل أين هم شباب الثورة في مصر من برلمان صال وجال شهراً قبل أن يُحلّ؟ وماذا جرى لبوصلة ذلك الميدان الذي أوشك ان يتحول الى قبلة للشباب الحالمين بالتغيير من مختلف القارات؟ وأية وثائق ستغلق لنا اذا قلنا بأن الناتو ليس الطريق الى حرية العرب؟
ومن استنكروا عليّ ما قلت لا يعرفون ما أعرف، وان كنت لست الأدرى بشعاب مصر من أهلها، فقبل أيام أو ربما يوم واحد من الخامس والعشرين من يناير كنت في حوار متصل مع قادة حركة كفاية والدكتور يحيى الجمل وأسماء أخرى لا ضرورة لذكرها خشية من التأويل المرضي المزمن في بلادنا، بحيث نبدو كما لو أننا نستعرض شأن الثقافة التي يُراد منا أن نكتب خارجها، أي في مجال النميمة سواء كانت سياسية أو اجتماعية.
ان مصر التي عانت سبعة آلاف عام من الفَرْعنة والقهر والسّطو على ما في باطنها وعلى سطحها انتهت بعد عام ونصف من ثورتها الى عربة يقودها جوادان باتجاهين متعاكسين بحيث بدت بين سندان تَّدْيين الدولة ومطرَقة عَسْكَرِتها.
وحين تُختزل الخيارات كلها بهذه الثنائية البائسة، فإن من حقي أن اسأل أصدقائي في مصر وخارجها:
أمن أجل هذا ألهبت الشَّمْس ظهوركم في الشوارع والميادين؟
أمن أجل هذا فقد شباب عيونهم وأحياناً حياتهم؟
أليس أمراً مريراً ويدعو الى الشفقة أن نضطر للانتظار عاماً ونصف كي نُعيد ما قلناه دون أن نعاقب بالاسْتنكار؟؟ ( الدستور )