الفرصة الأخيرة

الواحد، ورمى عرض الحائط بكل تطلعات الشعب الأردني نحو إنتاج قانون يخرجنا من فرقة الانقسام الذي عشناه منذ العام 1993؛ إذ أسهم قانون الانتخاب في تفكيك بنية المجتمع الأردني وجعله مجتمعا منقسما متناحراً.
وهذا الانقسام في البنية الاجتماعية يمكن رصده وتحليله علميا، مع أن الهدف المعلن من إقراره سابقا كان الحد من قوة التيار الإسلامي، فيما كانت النتيجة تحطيم بنية المجتمع بكل أطيافه الاجتماعية. ويبدو أن التفكير الإقصائي ما يزال يسيطر على من يدافع عن فكرة قانون الصوت الواحد، بحيث أصبح كل من يطالب برفضه، وليست الحركة الإسلامية وحدها، نبتا شيطانيا!
ثمة فرصة وحيدة وأخيرة أمام مجلس الأعيان لرد القانون والامتثال لرغبات الملك التي يعبر عنها في كل وقت، وتأكيده على ضرورة مشاركة القوى السياسية في الإصلاح من تحت قبة البرلمان، في مقابلته الأخيرة مع صحيفة الحياة. وفي وقت بات من المحسوم فيه أن القوى السياسية، ومن ضمنها الحركة الإسلامية والقوى الاجتماعية الجديدة، عازمة على مقاطعة الانتخابات في ظل قانون الصوت الواحد الذي ينطبق عليه المثل الاردني "صُبيها رديها"، فإن مجلس الملك يجب أن يقوم بدوره، وأن يعي جيدا تبعات هذا القانون ويسعى إلى تعديله بما يتناسب وطبيعة المرحلة الجديدة، وتوجهات الملك الإصلاحية. وإن لم يفعل مجلس الأعيان ذلك، ونحن أمام منعطف تاريخي في مستقبل الأردن السياسي، فإن هذا المجلس سيكون شريكا في تبعات بقاء قانون الانتخاب في صيغته الحالية.
البلد لا يحتمل التصعيد في ظل هذه الظروف الإقليمية والمحلية. وعلى مجلس الملك التنبه إلى ذلك، والتقاط هذه الفرصة لضبط التوازن في الدولة الأردنية، وأن يكون طرفا إصلاحيا حقيقيا يمثل إرادة الشعب والملك معا. وردود الأفعال التي عبر عنها الشارع في الأيام القليلة الماضية، وسقف الشعارات الذي لم نعهده، تستدعي التعامل بحكمة وروية مع ردود الأفعال تلك، خصوصا أن مسيرة الإصلاح يتوقف جزء رئيس منها على مخرجات قانون الانتخاب الذي إن بقي في صورته الحالية فسوف يهدد مستقبل الأردن بأسره، وضمنه الاستقرار الاجتماعي.
هذه المحاذير إن لم تؤخذ بعين الاعتبار، فأخشى أن ينطبق علينا فيها المثل العربي "أكلت حنيفة ربها زمن التقحم والمجاعة". وكان بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية إلها من حيس عبدوه دهراً طويلاً، ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه. فقال رجل من بني تميم: أكلت ربها حنيفة من جوع قديم بها ومن إعواز،
وقال آخر:أكلت حنيفة ربها.. زمن التقحم والمجاعة
لم يحذروا من ربهم.. سوء العواقب والتباعة. ( الغد )