حكومة عدنان سكرية .

تم نشره الأحد 24 حزيران / يونيو 2012 01:36 مساءً
حكومة عدنان سكرية .
جمال الشواهين

تبدأ السوق بمحلات الخضار، وهي عبارة عن دكاكين متلاصقة على جانبي الشارع الموصل لمسجد اربد الكبير، وساحته الصغيرة المحاطة بمحال الجزارين الذين اعتادوا الذبح أمامها، لتختلط رائحة الدم واللحوم مع الخضار وما يباع من غير ذلك، ثم مع أصوات الباعة والمتسوقين والدواب التي يحضرها البعض للركوب والتحميل، وغيرها لعاملين بالعتالة، لتؤكد لمن في المكان انه في السوق تماما.
تنتهي السوق عند الساحة، وبعدها يذهب الشارع بعابريه إلى دوار بور سعيد، وقد اكتسب الاسم من مكتب التاكسي الأقدم في المدينة العائد لفالح الدرزي، ومنه إلى شارع السينما، نسبة إلى سينما الزهراء فيه، وقد كان الأشهر على الإطلاق في كل الشمال، وهو لكبار تجار الأقمشة والملابس والأحذية.
من بداية السوق وحتى الدوار تتفرع جنوبا شوارع عدة تنتهي إلى شارع فلسطين الأطول في المدينة، وفيها المخازن لتجار المواد الغذائية على مختلف أنواعها من سمانة وبقالة وشتى أنواع الحبوب والسكر والأرز. أما شمالا فشارع فرعي واحد يؤدي إلى سوق الصاغة والفرواتية، وفي الوسط منه خان حدو، وفوق هذا مكتبة البلدية.
تبدأ الحركة مع ساعات الفجر الأولى من الصلاة بالمسجد مع إمامه الشيخ بركات، المعتمد الوحيد حتى نهاية ستينيات القرن الماضي لعقود الزواج في اربد. تفتح الأبواب، ويبدأ البيع والشراء إلى أن ينتهي مع صوت أذان العشاء، فتغلق عن بكرة أبيها دفعة واحدة.
هي سوق اربد التي ترسم مع بناء المسجد الكبير، وأصبحت على ما هي عليه بداية أربعينيات القرن الماضي تقريبا، وقد شكل حياة الناس الاقتصادية وتحكم بها إلى حد كبير. أما أكثر ما كان يميزه، فهو دكان عدنان سكرية لبيع الكتب، وتطور إلى مكتبة قرطاسية وصحف ومجلات أيضا.
تميز عدنان سكرية عن تجار السوق، يرتدي بنطالا وقميصا وليس سروالا وقمبازا، أو دشداشة كما هو حال أكثر التجار وروادهم، يضع نظارة بإطار اسود عريض يطلق عليها تندرا كعب فنجان، قصير القامة نحيف البنية، وشعر اسود يسرحه للخلف، وصوت بنبرة حادة، لا يخلو من رشاقة تشاهد وهو يتحرك وعندما يغلق ويفتح المكتبة.
اعتاد عدد من تلاميذ المدينة لاستئجار الكتب والمجلات بدل شرائها، كانوا مقابل خمسة فلوس (تعريفة) يتمكنون من قراءة مجلة جلوسا على درجات المحل، واشهرها آنذاك سوبرمان، البرق والطواط، ميكي ولولو الصغيرة وصديقها طبوش.
وللأكبر سنا: ريما وسمر والشبكة والموعد والصياد وغيرها بقرش واحد، ثم كتب أرسين لوبين والعميل السري، وصولا إلى سن المترك الذي هو الثالث إعدادي أو التاسع حاليا، فعنده انهينا طه حسين والعقاد والحكيم ومحفوظ وعبدالقدوس بما توفر من كتب ووقت.
ولطول العلاقة مع سكرية كان يسمح بالاستئجار المنزلي ولأكثر من يوم بالنسبة للكتب. من عند سكرية كانت بدايات العقل لأكثر من جيل وقد انقلب الحال وما عاد مثله.
سوق إربد الآن لا تختلف عما كان عليه طوال كل العقود، والشيء الوحيد الذي يغيب عنها هو دكان عدنان سكرية الذي ما عاد مكتبة، وتحول لبيع الخضار. والأمر قد يفسر واقع الثقافة الضحلة، والسياسات الحكومية التي لا تختلف عن سياسة الحسبة، وأسواق الخضار، والدلالة فيها الذين يبدعون لرفع الأسعار.
( السبيل )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات