الوجه الآخر لتموز!!

حتى وقت قريب كان شهر تموز مطوباً لذكرى ثورات وانقلابات وتصحيحات.. وكتب عن هذا الشهر الكثير لأن اسمه مقترن بالأساطير وتفجر الخصب في الأرض اليباب، ورغم أنه أقسى شهور السنة وليس ابريل كما قال ت. س أليوت، إلا أنه يمزج الذكرى بالحسرة وليس بالرغبة.
كان بعض العرب يتندرون على تموز بأنه الشهر القائظ الذي يصل فيه الى السلطة من يستطيع ركوب دبابة في عزّ الظهيرة، ومن يصل أولاً يكون بيانه الأول، بدءاً بمنع التجول وانتهاء بمنع التحوُّل.
وليس العرب وحدهم من انفردوا بتموز الثورات، فالفرنسيون أيضاً كذلك، لكن ثورتهم التموزية لم تنتبه بعد أكثر من مئتي عام الى تحويل فرنسا كلها الى سجن كبير، وارتفاع نسب البطالة والأمية الى أرقام كارثية.
ما الذي أنجزه العرب بعد أكثر من ستين تموزاً وتموز؟ هل حرروا سنتمتراً واحداً من فلسطين التي كانت البيانات الأولى تمتطيها؟ وهل أنجزوا مجتمعات مدنية متحررة من تراث داحس والغبراء ودسائس البسوس؟
قد يقول البعض أن اسرى النوستالجيا والأطلال الذين هجعوا كأهل الكهف أن هذا أقرب الى جلد الذات، وليس نقدها، لكن هؤلاء هم الضحايا التي هي آخر من يعلم بما جرى لها. فقد سلخ جلدها وامتص نخاعها وهي تواصل الثُغاء.
هل كانت متوالية الثورات والانقلابات العسكرية تتم على طريقة من سبق لبق وأكل النبق؟ إن صح هذا فإن من أُتخموا من النبق تقيؤوه رغماً عن أحشائهم، وانتهوا الى مصائر لا تليق بها حتى التراجيديا لأنها مصائر «كافكوية».
كم تبدد من ثروات العرب في ثوراتهم؟ وكم أنفقوا على التسليح ليقتلوا بعضهم أو تصدأ الأسلحة في مخابئها!؟
لقد خدعونا مراراً ودسسنا أصابعنا الأمية الفضولية في الجحور ذاتها فلدغنا ألف مرة، هتفنا من أجل الحرية، وانتهينا الى أن نحسد السجناء على زنازينهم وقدرتهم على التخيل.
وصفقنا من أجل التثقيف والتعليم وتصعيد الوعي وانتهينا الى هذه النسب الفاضحة من الأمية والجهل والمرض والتشرد.
فيما مضى كان الفلسطينيون يوصفون بالمتشردين ثم تحولت أمة برمتها الى أمة من اللاجئين والمشردين سواء في المنافي على امتداد خطوط طول وعرض هذا الكوكب أو في عقر أوطانها.
ان ما بين تموز التاريخ وتموز الاسطورة صحراء لم نقطعها بعد، وما بين البيان الأول ونعي الختام ما رأيناه وما سنراه! ( الدستور )