اعلام عربي أم إعلام الـ»5%» من العرب ؟

«منتدى الإعلام العالمي» الذي تنظمه سنويا «دويتشة فيللا» الألمانية، جمع في بون الأسبوع الفائت، ما يقرب من ألفي إعلامي وخبير في قضايا الاتصالات وتكنولوجياتها والتعليم والثقافة، حيث توزع المشاركون على عشرات الأنشطة التي تضمنها برنامج السنة الحالية والذي جاء تحت عنوان «التعليم، الثقافة والإعلام».
طُلب إلى كاتب هذه السطور، أن يتحدث عن «دور الإعلام في تشكيل الثقافة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، وكانت فرصة نادرة للالتقاء بعشرات الناشطين والمختصين من دول عربية وأجنبية، أبدو اهتماماً خاصاً بتتبع أثر الإعلام، التقليدي والحديث، في رسم وتغطية وقائع ومجريات ما بات يعرف باسم «الربيع العربي».
الفضاء العربي اليوم، يبدو مزحوماً بالفضائيات التي يراوح تعدادها ما بين 650 – 700 محطة، بعضها قيد «البث التجريبي»، تتوزع على مروحة واسعة من الاهتمامام والمرجعيات والمستويات المهنية والأخلاقية، تعود ملكية ثلاثة أرباعها للقطاع الخاص، وتحتفظ الحكومات بملكية الربع الأخير فقط.
من بين هذا الكم الهائل، الذي يزيد عن عشرة بالمئة من إجمالي المحطات الفضائية في العالم، ثمة أقل من عشر شبكات كبرى تحتكر أكثر من ثمانين بالمئة من «سوق الفضاء» بإعلاناته ومشاهديه ومنتوجاته، وتقف على رأس إمبراطوريات مؤلفة من مئات المحطات الإذاعية والتلفزيونية والصحف والمجلات والإنتاج الفني والدرامي وصناعة الكتب...وجميعها على الإطلاق مملوكة لدول خليجية، أو لشخصيات سياسية وإعلامية، على صلة قرابة وتحالف مع أنظمة هذه الدول: السعودية، قطر والإمارات العربية المتحدة، التي لا تزيد نسبة مواطنيها عن خمسة بالمئة من المواطنين العرب.
وتمتد ملكية هذه الأطراف الثلاثة، المباشرة (حيازة الأسهم) وغير المباشرة (الدعم المالي والإعلاني المباشرين)، إلى عدد وافر من الصحف الأكثر نفوذاً والمحطات الإذاعية والتلفزية المؤثرة في دولها: صحف لندن المغتربة الثلاث، النهار اللبنانية والعديد من المحطات التلفزيونة القريبة من قوى 14 آذار، وذات الانتشار العربي الذي يتخطى حدود البلد الصغير.
بخلاف «الربع الأخير» من القرن الفائت، فإن ما يميّز المشهد الإعلامي العربي هذه الأيام، أن داعميه ومموليه باتوا من لون سياسي (وإلى حد ما إيديولوجي) واحد، بعد أن انسحب العراق وليبيا من سوق المنافسة الإعلامية، بسقوط نظامي صدامي حسين ومعمر القذافي...بقية الدول العربية فقيرة وغير قادرة على الاحتفاظ بحصة مؤثرة في سوق الإعلام العربي حتى إشعار آخر.
إيران ومحورها وهلالها، حظيت بحصة في سوق الفضاء والفضائيات، بيد أنها ما زالت حصة متواضعة بلا شك، على الأقل قياساً بما يمتلكه المعسكر الآخر من أدوات ووسائل إعلامية عملاقة.
من بين هذا الكم الهائل من الفضائيات، هناك ما يقرب من مئة محطة دينية، إسلامية ومسيحية (ما زالت قليلة العدد على أية حال)، غالبيتها ذات خلفية سنيّة / سلفية، تليها من حيث الحجم والانتشار القنوات الشيعية، حيث بات الفضاء ساحة للانقسام المذهبي كذلك، وسبباً في تسعير وتائره على الأرض، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من لعب على الغرائز والهوّيات وزيادة حدة الانقسام والاستقطاب بين مكونات الأمة وشعوبها.
إن الإجابة عن السؤال عن «دور الإعلام في تشكيل الثقافة السياسية في العالم العربي» لا بد أن تنطلق من هنا: من سؤال «ملكية وسائل الإعلام»، فالمؤكد أن مليارات الدولارات التي تُنفق على هذا «الفضاء» ليست مرصودة لخالص وجه الله، هي أجندات ملحقة بحسابات «المالكين» ومصالحهم، هي جيوش تسير في ركاب القادرين وحدهم دون سواهم، على «الدفع للزمار».
لكن المشهد الإعلامي العربي لا يخلو مع ذلك من كثير من الظواهر الإيجابية، منها أن بعض «الفضائيات الخاصة» في عدد من الدول العربية، بدأت تزاحم الإعلام الحكومي «المحنّط» من جهة، وتنافس «فضائيات البترودولار» من جهة ثانية، وهذا أمر نجده في مصر على سبيل المثال، وبدأ يشق طريقه في الأردن وغيره من الدول العربية وإن بتعثر وتواضع.
كما أن ثورة الإعلام الاجتماعي بدورها، وإن عُدّت سلاحاً ذا حدين، إلا إنها توفر «طريقاً سريعاً» للمعلومات، وفي الاتجاهين، الاستقبال والإرسال، عدد المشتغلين بالفيسبوك وتويتر قفز خمس مرات خلال أشهر الربيع العربي، من 10 – 11 مليون مستخدم إلى ما يقرب من 50 مليون مستخدم، ثلثهم من النساء، وهذه نسبة جيدة بالمقاييس العربية، والأهم أنها تتنامى باستمرار وبأسرع مما يتخيل كثيرون.
لأسباب مختلفة، لعب الإعلام دوراً مهماً في تسيير وتسريع عجلة الثورات التي شهدتها المنطقة في العامين الفائتين، وإن كان متفاوتاً من ناحية الوسيلة والساحة...هذا نصف الكأس الملآن، أما نصفه الفارغ فيتجلى في تدعيمه، وربما بالقدر ذاته من الفاعلية، عجلة الثورة المضادة والانقسامات في منطقتنا...ودائماً «فتّشوا» عمّن يقف وراء «الزمار» ويملي عليه اللحن المطلوب عزفه. ( الدستور )