«آسفون» يا سوريا!

نخجل كثيرا من أنفسنا، ونشعر بالخزي والعار، ونحن نطالع أخبار موتكم، فيما نتناول وجباتنا بانتظام، كأن دمكم محض هواء أو ماء!.
في البداية كنا نهتز، ونتشنج، وربما تفر دمعة بين حين وآخر، ونحن نشهد أشلاء أطفالكم تتناثر في وجهنا، أو ونحن نستمع إلى أنات النساء، وزئير رجالكم، ثم ما لبثنا أن تحولنا إلى مراقبة ارقام من يستشهدون كل يوم، ثم، ويا للهول، حدثت حالة «تطبيع» مريعة مع حالة الموت اليومي، والإبادة الممنهجة لكم، وغدا خبر الموت، والقتل الفظيع، محض فقرة في نشرة اخبار، نقفز عنها إلى ما بعدها، ثم كففنا عن العد، بعد أن تكاثرت الأرقام، فيما نصاب بالذعر إن وقع حادث سير في حينا، أو الشارع الذي نمر منه!!.
آسفون يا سوريا حد الفجيعة، نشعر بالعجز والخذلان، ونتذكر كيف كان الدم الفلسطيني، يراق يوميا، فيما لا نفعل غير الرثاء وزم الشفاه، وربما يقفز من بيننا من يصيح: ما بدنا أخبار، ما بدنا نشوف هالمناظر، بدنا نعيش، ويا للسخرية، نقول أننا «بدنا نعيش» فيما يفترش الموت كل مساحات المشهد السوري، ونفقد «العيشة» كل معنى في أرض الشآم!.
نريد الشام متنزها، ومكانا لقضاء إجازة، نأكل التبولة، والمشاوي، والكبة، حتى إذا تحولت سوريا إلى حفلة شواء بشرية، بدأنا بالبحث عن مكان آخر لقضاء الإجازة!.
آسفون يا سوريا، لقد تحولنا إلى وحوش بلا مشاعر، بعد أن فقدنا أحاسيسنا ونحن نراكم تنتظرون دوركم في الموت، كأن الحريق لا يعنينا، فيما نتطلع ببلاهة للدول الكبرى كي «تفزع» لكم، ليس حبا بكم ولكن كجزء من لعبة الأمم، وتجاذبات السياسة الدولية، وصراع الأقطاب والاقتصاد الكوني!.
عداد الموت يقفز كل ساعة بل كل دقيقة، وحتى ساعة كتابة هذه السطور وصل إلى:
170830 شهيدا، وأنا على يقين أن هذا الرقم سيزداد كثيرا، حين ترى هذه الكلمات النور في الصحيفة، وقد يكون حجم الشهداء الجدد بحجم كلمات هذا المقال، فانظروا لهول ما يحصل، دون أن يحرك فينا ساكنا!.
ومن غرائب وعجائب هذا الزمان، أن تجد بعد كل هذا الإجرام الأسدي، من يدافع عن النظام ويبرر له فظاعاته، بزعم أنه يدافع عن سوريا، واستقلالها ضد المؤامرة، فأي مؤامرة أفظع من أن يقتل «الزعيم» شعبه، وأي كارثة في أن يجهد الجيش المكلف بحماية بلده، بإبادتها؟.
آسفون يا سوريا، ونحن كمن سمع بحريق في الحي الذي يسكنه، فنام مطمئنا كون الحريق بعيدا عن منزله، ليصحو وإذ بالحريق وقد وصل إلى ثوبه!!.( الدستور )