إلغاء الصوت الواحد رفقاً بمستقبل الأردن

تم نشره الأحد 15 تمّوز / يوليو 2012 12:07 صباحاً
إلغاء الصوت الواحد رفقاً بمستقبل الأردن
لميس اندوني

لا بد من إلغاء الصوت الواحد إذا كان هناك أي تفكير استراتيجي بمستقبل اللحمة الاجتماعية والاستقرار في الأردن.

الحكومة ومجموعة من الفئات المتنفذة، تعي أن قانون الانتخاب ، كما فٌرض وحتى بعد التعديل الذي لم يَمِس نظام الصوت الواحد، هذه القوى تعي أن القانون أدخل البلاد في مآزق سياسية، لكنها ، وبسبب قصر نظرها وهَوَسها بمصالحها الضيقة، لا تستطيع أن تفهم عمق وطبيعة الأزمة، لأنها قاصرة ، أو لا تريد استيعاب مفهوم المصلحة الوطنية الذي قد لا يتوافق مع منظومة مصالحها.

فإذا لم تفهم هذه الفئات معنى التصعيد في العنف المجتمعي ،خاصة في باحات الجامعات الأردنية، فلا شيء يمكن أن يوقظها من أوهامها ، إلا في حالة انفجار اجتماعي عنفي مدمر، وبالتالي تفكيك نسيج المٌجتمع وجرنا إلى سيناريو اقتتال واشتباكات، لن نستطيع الخروج منه بسهولة، وحينها يكون الوقت متأخراً على المواطن والوطن سواء.

هناك أسباب كثيرة لأشكال عنف الجامعات غير المسبوق في حِدَته واتساعه ، لكن لا يمكن إغفال دور العقلية والمفاهيم المشوهة التي رسخها نظام الصوت الواحد، من تقوية العصبية العشائرية وإحداث فصل وعداء بين جميع مكونات المٌجتمع ، لأن القوانين والنظم الانتخابية ، في العالم وليس لدينا فحسب، توضع بهدف تمكين ، وأحيانا إضعاف دور فئات اجتماعية وسياسية، من المشاركة في صنع القرار.

في حالتنا وضع نظام الصوت لإضعاف المعارضة، وحتى الفكر المعارض ، بحجة منع التيار الإسلامي من الحصول على مقاعد برلمانية أكبر من حجمه الشعبي والانتخابي، والبعض رأى في نظام الصوت الواحد وتقسيمات الدوائر، فرصة في تقليص نفوذ الكتلة الأردنية من أصل فلسطيني – أي أن النظام والقانون بنيا على أساس تهميش فئات معينة ، وتعميق الفروق بين مكونات المجتمع، من دون التفكير بتداعيات تنمية العصبوية والفئوية.

فبالنسبة لجيلين ـ تربيا على أسس تناقض المصالح الفئوية، أصبحت العصبوية هي سبيل تمكين الفرد الذي يشعر، في عقله الباطني بأنه مسلوب الإرادة، لا دور له في صنع القرار، فلا عجب بأن استعمال العنف والاقتتال لأتفه الأسباب، مثل الخلاف حول تليفون خليوي أو حتى ولاعة، يعدو مصدراً لإثبات هيبة الشباب المتناحر وحتى وجوده.

الصوت الواحد ليس هو السبب الوحيد في استشراء العنف في الجامعات، لكن لا يمكن إغفال دور تنمية الشعور بالانتماء الفئوي، على تشكيل ثقافة مشوهة لا تحس بقيمتها المجتمعية من دون إثبات التعصب العشائري أو الفئوي، فأصبح الفوز في مقعد مجلس النواب دليل نفوذ عشيرة على أخرى، مما أضعف مؤسسات الدولة التي أصبحت ليس أكثر من وسيلة لتقوية فئة أو عشيرة أخرى.

أي أن النظام الانتخابي ضرب مفهوم دولة المواطنة المدنية، بما في ذلك مفهوم الحقوق والواجبات، مما خلق مفاهيم لا تحترم مؤسسات الدولة، خاصة في غياب سيادة القانون، فلجأ الأفراد إلى العنف والأسلحة للتعبير عن أنفسهم وحماية ما يرونه في مصلحتهم وإن كانت ليست مصالح حقيقية بل تتعلق بالكبرياء الفئوي الزائف.

هنا يجب الإشارة أن العقلية التي أنجبت نظام الصوت الواحد هي نفسها التي سيطرت على نظام التربية، وسياسات الترهيب من العمل السياسي المنظم، والأحزاب، وحتى من الفكر النقدي المعارض والتعبير عنه - وهي باختصار العقلية الأمنية التي تحكم الكثير من القرارات ، فالمعارض، في سياق العقلية الأمنية هو عدو للوطن، ويجب التحريض عليه وعزله عن بقية المجتمع أو على الأقل تهميشه، وخلق العداء المجتمعي له لمنع ترسيخ الممارسة التعددية و الفكر الحر.

فبدلاً من التفكير بإرساء نظام التعددية السياسية، مما يعطي مجالاً للشباب للتعبير عن رؤاهم، والمشاركة في صناعة مستقبلهم، تمارس عليهم سياسات لقمع التفكير وليس فقط التعبير، ولمنع تغذية الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه الوطن، ويستعاض عنها بثقافة موالاة مزيفة ، تفصل بين المصلحة الوطنية والمصلحة الفئوية والعشائرية.
نحن نحصد ما زرعته سياسات القمع والترهيب، والأخطر هناك تصميم على إبقاء السياسات نفسها، وفرض نظام الصوت الواحد، أو إحدى مشتقاته، بالرغم من مثول بعض تجسيداته التدميرية أمام أعيننا.

نعم الفئة المتنفذة تعرف أننا في مأزق لكن لا تريد الاعتراف بجوهر المشكلة، وبالتالي فهي عاجزة عن إيجاد حل غير تأجيل الانتخابات، من دون تغيير القانون، ومن خلال محاولة إقناع الأحزاب والشخصيات المؤئرة، بالقبول بصيغ معدلة و تحاصصية، وإن بشكل محدود، لإقناع الشعب الأردني بعدم مقاطعة الانتخابات.


إن أسلوب إدارة الأزمات هي سياسة فاشلة ، تأبى أن تواجه مسببات الأزمة وتبعاتها، لأنها ليست مهتمة بتأثيرها على أجيال المستقبل، لأن الأولوية لهذه السياسية هو في تعميم ثقافة الخنوع والخوف من المكونات المجتمعية الأخرى، لكن النتيجة ، كما رأيناها في الجامعات، تتعدى العصبية الفئوية إلى تدمير ممتلكات الدولة ومنشآتها، فالغضب لم يخفت، لكن تعبيراته أصبحت أكثر تدميرا وعدمية، و كل ذلك من أجل إبعاد الشباب عن الأحزاب السياسية - وفي الفترة الأخيرة عن الحراك السياسي.

الأزمة عميقة، ولا يمكن السكوت عليها ولنبدأ بإلغاء نظام الصوت الواحد رفقاً بالأجيال القادمة. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات