منطق اجراء الانتخابات هذا العام بمن حضر

الذين يتوقعون تأجيل الانتخابات، -وأنا احدهم- يتصورون ان بعض المسؤولين في بلادنا حريصون على اجراء انتخابات تحظى بمشاركة اغلبية الاردنيين، وتفرز “برلمانا” سياسيا قادرا على ادارة “المرحلة” القادمة، لكن هذا التصور ربما يكون خاطئا –او ان شئت غير دقيق- اذا سألتني: لماذا؟ فلدي ثلاثة اسباب على الاقل احدها ان “تصميم” قانون الانتخابات بهذا الشكل الذي تمّ كان مقصودا تماما، فهو يعزز اولا فكرة “الاصلاح” وفق وصفته “الرسمية”.. التي تقوم على التدرج والتحسين الشكلي وبمحاولة ابقاء الوضع السياسي على ما هو عليه، وهو –ثانيا- يحافظ على “الحقوق المكتسبة” للطبقة السياسية الحالية، سواء التي وصلت الى النيابة او التي ترتبط بها بعلاقات مصالح، اما السبب الثاني فتؤكده اشارات مختلفة، مفادها ان الانتخابات ستجري في موعدها نهاية العام بمن حضر، وان المقاطعة –مهما كان حجمها- لن تدفع الدولة الى التأجيل، باعتبار ان اي تأجيل سيمس من هيبة الدولة، وسيضعها امام الرأي العام الداخلي والخارجي بصورة “ضعيفة” وكأنها تخضع لتحديات دعاة المقاطعة او كأنها تهرب من وعودها التي قطعتها على نفسها باجراء الانتخابات هذا العام.
يبقى السبب الثالث وهو استثمار فرصة اجراء الانتخابات في ضوء مقاطعة الحركة الاسلامية من اجل “تأديب” الجماعة وتكسير نفوذها السياسي وعزلها عن التأثير في الحياة السياسية، وقد سمعنا كلاما من مسؤولين حول دعوة الاطراف الاخرى “لانتهاز” غياب الاسلاميين وتوجيه ضربة قاصمة لهم، كما يمكن “استثمار” هذه “المقاطعة” لكسر قاعدة “وصول الاسلاميين للسلطة” التي راجت في ظل التحولات العربية.
اذا دققنا في هذا المنطق الذي يتعامل به البعض تجاه “الانتخابات” البرلمانية سنكتشف بأن امكانية تأجيلها غير وارد في ظل الظروف الحالية على الاقل، على العكس تماما فان “التبكير” بها سيمنح الدولة فرصة لالتقاط الانفاس، ولتحسين الصورة في الخارج، وفرصة –اهم- لاشغال المجتمع من جديد، وربما لسنوات، بسجالات جديدة بين النواب الجدد والحكومة، وفتح ملفات تحظى باهتمام الرأي العام، وخلق مناخات سياسات مختلفة من شأنها ان توجه “النقاش” العام من الشارع الى البرلمان الجديد، ومن قضايا “الاصلاح” التي نسمعها الآن الى قضايا جديدة ربما تجذب الجمهور.
قد نختلف –بالطبع- مع هذا المنطق، وربما نراه “وصفة” لتعقيد الازمة اكثر، ذلك اننا لا نتحدث عن الانتخابات من زاوية “فنية” محضة ولا من زاوية حجم المشاركة وحجم المقاطعة، وانما –وهذا اهم- من جهة “المنتج” الانتخابي، اقصد “البرلمان” القادم الذي سوف ينتجه القانون الحالي، وما سيترتب على ذلك من ردود فعل “سياسية” من قبل القوى المقاطعة، مهما كان وزنها في الشارع وسواء اذا عمدت لتشكيل برلمان شعبي مواز، او نجحت في تشويه “شرعية” البرلمان الجديد.. الخ.
هذه واحدة، اما الاخرى فهي ان المرحلة الحالية لا يمكن ان تستوعب او تتحمل المزيد من القرارات “المغامرة” فقد جربنا برلمانات الصوت الواحد وتحمل الناس “كوارث” ما فعله هذا الصوت من اهتزازات في المجتمع كما ان “الانتخابات” ليست “الاصلاح” الذي يطالب به الناس، وانما هي جزء منه وبالتالي فان اجراءها لا يعني عودة المحتجين الى بيوتهم برضا وقناعة ولا تعني “طي” صفحة الماضي، وبالتالي فان “المقاطعة” مهما كانت ستعطي مشروعية اكثر لاستمرار الحراكات في الشارع، وسنكون عندها قد عدنا لنقطة “الصفر” ودفعنا ثمنا سياسيا لا لزوم له.
ما الحل اذن؟ اعتقد بان امامنا فرصة لاجراء تعديل مقنع على القانون ولو للمرة الثانية، ويمكن ان يعرض على الدورة الاستثنائية القادمة لمجلس النواب، تماما كما حصل مع القانون الذي اقرّ وتم الايعاز بتعديل “فقرة ج” فيه، هذا خيار محرج بالطبع ولكنه ضروري اذا اردنا للانتخابات ان تجري هذا العام وان يشارك فيها اغلبية الاردنيين .. مع انني اشك في ذلك.( الدستور )