شيء من الصراحة والمكاشفة!

ما أبطأ ويبطىء عملية التغيير في الأردن مسألتان: جدل الهوية الوطنية، والخوف أو التخويف من الاخوان المسلمين، بل يمكن القول أن الحركة الوطنية الأردنية تضررت هي الأخرى بسبب ما دار ويدور حول هاتين المسألتين من حراكات وتحركات، ويبدو ان الجدل حولهما سيبقى بلا نهاية،إن استمرت سياسة الغمغمة واللفلفة، وهو ما يدخلنا جميعا في سراديب وأنفاق يعلم الله إلى اين ستفضي، فضلا عن الكلفة العالية التي بدأت تدفعها البلد برمتها جراء تعسر بلورة رؤية موحدة حول هاتين المسألتين!.
بالنسبة للقضية الأولى، يتعين أن نتفق على ما هو جوهري، كي لا نضل أكثر مما ضللنا بفعل التوجيه السيىء، والتحشيد والتعبئة السلبية التي تمارسها الأطراف كافة، وما هو جوهري هنا كما نظن يتمحور حول عدة مسائل منها، وأهمها: صحوة الحكومة الأردنية باتجاه مخططات إسرائيل لتفريغ الضفة الغربية من أهلها جاءت متأخرة جدا، وحسب بعض الآراء، ربما نجحت إسرائيل بإبعاد «ناعم» لعشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية بأساليب جهنمية، غير قانونية طبعا، منذ احتلالها في العام 1967، حيث أدت هذه السياسة الخبيثة إلى حرمان المواطنين الفلسطينيين من حقهم في الإقامة في بلدهم ، ويبدو أن هذه الصحوة المتأخرة، كلفت البلد ثمنا باهظا جدا، حيث بدا أن الأردن يسحب جنسيات مواطنيه، رغم نبل الأهداف التي كانت وراء ما يسمى «تصويب الأوضاع» وبالفعل فقد تسببت هذه الصحوة بإعادة «تسكين» آلاف الأسر في موطنها الأصلي، وتمت إعادة تفعيل حقوق المواطنة لهم على الأرض الفلسطينية، وهذا مكسب وطني أردني وفلسطيني، وفي الوقت ذاته ذهب ضحية سوء التطبيق لقرار فك الارتباط الآلاف، مما دفع الحكومة الأخيرة لاستدراك الأمر والبدء بالبحث في تظلمات من لحقه ظلم فسحبت جنسيته بغير وجه حق، وهي عملية تعيد الأمن لمن ظلم، في حين أنها تستفز فئات أخرى ترى فيها نوعا من «التجنيس» السياسي، وفي المحصلة يجب أن ننتهي من جدل الهوية كي لا نظل في صراع داخلي يبطىء التغيير والتطور، وينقل جوهر القضية الفلسطينية من مشكل إسرائيلي داخلي إلى مشكل أردني عربي!.
أما بالنسبة للقضية الثانية، فعلينا أن نعترف أن الإخوان المسلمين واقع كبير لا ينفع معه تجاهل أو تدابر وتنافر، ومن الأولى والأنسب أن نسلم بحجمهم، عبر اتفاقات واضحة وتفاهمات صريحة، خاصة بعد أن ثبت أن سياسات التجاهل والفوقية، ومحاولات الاحتواء أو التفتيت، والزهد في محاورتهم لم تأت ِ بخير، كما أن مقاطعتهم للانتخابات النيابية تؤزم البلد، خاصة في هذا الوقت بالذات، ولا ينبغي فهم هذا الأمر باعتباره استرضاء لهم، بقدر ما هو محاولة للبحث الجدي عن مخرج للمأزق الذي أوقعنا فيه قانون الصوت الواحد!.
كلا المسألتين تحتاجان لكلام صريح وعلني، مع كشف كامل للأوراق، أما لفلفة الأمر والحديث عن «وحدة وطنية» ضعيفة ، وتماسك جبهة داخلية غدت مفتتة، فهذا سيطيل مأزق البلد، ويعقده أكثر فأكثر!. ( الدستور )