ضحيتا الانقسام المذهبي

تم نشره الإثنين 16 تمّوز / يوليو 2012 12:38 صباحاً
ضحيتا الانقسام المذهبي
عريب الرنتاوي

الانقسام المذهبي الذي يتهدد الإقليم برمته، طولاً وعرضاً، ألحق ضرراً فادحاً، قد يصل (إن لم يكن قد وصل فعلاً) إلى مستوى التهديد المباشر، لأنبل ظاهرتين شهدتهما المنطقة خلال العقد الجاري: ظاهرة المقاومة الباسلة التي أبداها حزب الله في مواجهة عدوان تموز/ آب الذي تُصادف هذه الأيام، ذكراها السنوية السادسة... وظاهرة «ربيع الديمقراطية» الذي أورق في عدد من الدول والمجتمعات العربية، حيث تتسلل «الثورة المضادة» إلى عمق حراكات الشوارع العربية وتتهدد بحرفها عن قضية الحرية والكرامة والتنمية والتعددية والديمقراطية، ودائما تحت ستار كثيف من دخان الشعارات المذهبية والطائفية.

قد يقال الكثير (وقد قيل) في مثالب تجربة حزب الله ونواقصها، كأن يجري التذكير بالهوية المذهبية شبه الخالصة للحزب، أو يؤتى الحزب من بوابة تحالفاته العربية والدولية، أو يؤخذ عليه تدخله أحياناً في «زواريب» السياسة المحلية اللبنانية، والأهم من كل هذا وذاك، ما يسجل عليه من إغفاله لانتفاضة الشعب السوري، ومن قبل مواقفه التي عانت التباساً ظاهراً ومقلقاً من ظاهرة المقاومة العراقية على التباساتها أيضاً.

لكن الأمر الذي لا جدال فيه ولا مراء، هو أن الحزب في تجربة تموز وما قبلها، قدم صورة للمقاومة كما ينبغي أن تكون، وقف أمام آلة العدوان الإسرائيلية وألحق هزيمة بـ»الجيش الذي لا يقهر»، الذي لم يجد من وسيلة لتعويضها أو للتقليل من أثرها على صورته الردعية، سوى بقصف بربري يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، للأهداف المدنية والبنى التحتية اللبنانية، وها هي إسرائيل تعيش منذ تلك الواقعة، في قلب تداعيات الحرب، تقرأ دروسها وعبرها، في مسعى منها للإجابة على سؤال: كيف أمكن لحزب صغير أن يصد جحافل الغزو الإسرائيلي لثلاثة وثلاثين يوماً، وهو ما لم تقو عليه، جيوش جرارة وأسلحة مكدسة ونياشين لم يعد متسع للمزيد منها فوق صدور الجنرالات وحول أعناقهم.

ولم يعد خافياً على أحد، أن قراراً إقليمياً ودولياً، قد صدر منذ ذلك التاريخ، بتشويه الظاهرة وتقزيمها، بل ونزع الشرعية عن سلاحها، وتحويله إلى سلاح قاتل في الطرق والحارات، شأنه في ذلك شأن أي سلاح ميليشاوي، ولقد كان «الانقسام المذهبي» البوابة الأمثل لتلك الحملة المضرية التي لم تتوقف حتى يومنا هذا، فليس من مصلحة أطراف هذه الحملة وداعميهم الإقليميين والدوليين نزع الأسطورة التي غلّفت قدرات «الجيش الذي لا يقهر» وكانت السبب في شق مسار انهزامي عربي، لعل «المباركية» في مصر، ومن قبله «الساداتية»، عنوانه الأبرز، ليس من مصلحة هذه الأطراف أن تتغلغل القناعة في أوساط الشعوب العربية، بأن هزيمة إسرائيل أمر ممكن.

اليوم، يجري استخدام أدوات الانقسام الطائفي والمذهبي للانقضاض على صحوة العرب وربيعهم، وضمان السيطرة على مخرجاته، وتحويله إلى كابوس مُستدام من الاقتتال الأهلي المهدد لوحدة البلاد والعباد، في مصر يُلقى بالمال بلا حساب، لدعم تيارات مذهبية، في مواجهة قوى الثورة من علمانية وليبرالية ويسارية وتقدمية وشبابية، وكذا الحال في تونس، ومن قبل تتحول كتائب السلفية الجهادية في ليبيا إلى مهوى أفئدة «المتبرعين» و»المجاهدين» ورعاتهم، وفي سوريا يجري تكرار المشهد، وباستخدام أقذع ما في قاموس «المذهبية» البغيض من شعارات ومفردات، لا صلة لها بأهداف الثورة ولا بتطلعات الشعب السوري.

يتهدد الانقسام المذهبي عراق ما بعد صدام حسين، ولبنان ما بعد الدوحة وسوريا الأسد وما بعده، ونذره تمتد إلى ساحات ومناطق أخرى، جالبة معها كل يوم، زوابع الريح السموم، لكأنه يراد للربيع العربي أن يسلك طريقاً واحداً، وأن ينتهي إلى مآلات بعينها، وبصورة تتصدر معها قضيتا «المقاومة» و»التحوّل الديمقراطي المدني» صدارة قائمة ضحايا الانقسام المذهبي والطائفي الأكثر خطوة في تاريخ المنطقة الحديث... الأولى دفعت الثمن مقدماً وبالجملة، فيما الثانية تدفعه اليوم بالتقسيط الدامي وغير المريح، و»الحساب» ما زال مفتوحاً على المسارين بانتظار أن تضع حروب الطوائف والمذاهب أوزارها. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات