الجميع مرتبكون

تم نشره الخميس 19 تمّوز / يوليو 2012 01:27 مساءً
الجميع مرتبكون
فهمي هويدي

ثلاث مشكلات تواجه القوى السياسية التي تصف نفسها بالمدنية في مصر، الأولى أنها قائمة على مجموعة من الأكاديميين والهواة، الثانية أن حضور مؤسسيها على شاشات التليفزيون وفي الفضاء الثقافي والإعلامي أكثر من حضورهم على أرض الواقع. الثالثة أنهم يعرفون ما يخاصمونه ويرفضونه، لكنهم لا يعرفون ما الذي يقبلون به. أعني أنهم يعرفون ما يريدون هدمه، ولكن ليسوا على اتفاق على ما يريدون بناءه.
المشكلة الأولى تشترك معهم فيها التيارات الإسلامية، إذ الجميع حديثو عهد بالممارسة السياسية، صحيح أن التيارات الإسلامية لديها أعداد كبيرة من الدعاة الذين يعتلون منابر المساجد كل أسبوع، فضلا عن أن لهم حضورهم المشهود في الكثير من المناسبات، لكن الدعاة غير السياسيين، وكل طرف له لغته وأساليبه وجهوده. مع ذلك فليس هناك شك في ان الجماعات السياسية الأخرى التي برزت بعد الثورة كانت جاذبة لأعداد كبيرة من الأكاديميين من ذوي التوجه العلماني واليساري، إلى جانب العناصر العلمانية الأخرى بين المثقفين والفنانين. وهؤلاء وهؤلاء انخرطوا مع جموع الثوار واندفع بعضهم باتجاه الاصطفاف الذي أفرز الاستقطاب الحاصل. وكان الهواة في الصف الأول منه. ولأنهم جدد في الساحة فقد كانوا الأكثر تطرفا والأقل استعدادا للحوار أو التلاقي مع الآخرين. وذلك جانب في الصورة يهدد بتعطيل الاجماع الوطني.
المشكلة الثانية من مخلفات النظام السابق الذي قام بتجريف الساحة السياسية ولم يسمح لأي فصيل سياسي أن يعمل وسط الجماهير إلا بإذن منه. في ذات الوقت فإنه كان يؤثر تحويل الأحزاب إلى مجرد «ديكور» يتم التجمل به، الأمر الذي أحدث فراغا هائلا بعد سقوط النظام، حيث اكتشفنا أن ذلك البلد الكبير لا توجد به أحزاب حقيقية، وحين دخلنا في طور الترشح للانتخابات صارت شاشات التليفزيون هي الساحة الوحيدة التي يتنافس عليها السياسيون. وترتب على ذلك أن الناس شاهدوا صور اللاعبين السياسيين واستمعوا إلى كلامهم، لكنهم لم يختبروهم في أي وقت. ولم يصادفوهم على أرض الواقع، في الوقت الذي كانت التيارات الإسلامية لها معاقلها وفي مقدمتها المساجد، إضافة إلى الجمعيات الخيرية التي ظلت تديرها، غير ما تيسر من الأنشطة الخدمية الأخرى. وقد أثبتت التجربة أن الذين يعيشون مع الناس يظلون أقرب إلى قلوبهم عن أولئك الذين يرونهم على شاشات التليفزيون. وهو ما يفسر ضمن أسباب أخرى. حصول الإسلاميين من إخوان وسلفيين على أكثر من 70٪ من مقاعد مجلسي الشعب والشورى، في حين كانت حصة المجموعات السياسية الأخرى متواضعة في تمثيلها. وما يلفت النظر في هذا السياق أن تلك الجماعات السياسية ما زالت متحصنة ببقائها في القاهرة، ومكتفية بالحضور في الفضاء التليفزيوني. ولم تلحظ لها جهدا يذكر في التلاحم مع الناس، علما بأن هؤلاء وغيرهم لاتزال أمامهم فرصة واسعة للنزول إلى الشارع وإعداد أنفسهم للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية، التي تمكنهم من إثبات جدارتهم بالتفاعل مع المجتمع، وهو الاختيار الذي إذا نجحوا فيه فإنه يمهد الطريق أمامهم لكسب ثقة الناس وإقناعهم بأنهم حقا «خير من يمثلهم». الأمر الذي يمكنهم من منافسة التيارات الإسلامية في الساحة التي استأثروا بها طويلا.
المشكلة الثالثة معقدة لأنه من الواضح حتى الآن أن تلك الأحزاب المدنية لا يجمع بينها سوى معارضة التيار الإسلامي أو كراهيته من قبل البعض، وفيما عدا ذلك فقلوبهم شتى، إذا استخدمنا المصطلح القرآني. وقد أبرز الدكتور سامر سليمان هذه النقطة في مقاله الذي نشرته له جريدة «الشروق» يوم الأحد الماضي 8/7، إذ تحدث عن اصطفاف تلك المجموعات فيما سموه التيار الثالث، وذكر أن مؤسسيه مختلفون حول فكرته. فمن قائل إنه وسط بين الإخوان والعسكر وكأنه كيان يفصل بينهما فقط. وقائل إنه ضد الاثنين، وقال ثالث ان التكتل ليس ضد التيار الإسلامي في حين أن ذلك وحده ما يجمع بين الشيوعيين والعلمانيين المشاركين في التكتل. الرابع قال انه تحالف مدني اجتماعي مع ان أحد أبرز أركانه اعتبره حزبا رأسماليا.. وهكذا. وقد علق الكاتب على هذه الصورة بقوله انها مجموعة «كسيحة» من الناحية السياسية.
الصورة ينبغي ألا تكون مصدرا للإحباط واليأس، لأنها تعكس حالة الارتباك المتوقعة في بداية تأسيس النظام الديمقراطي. وفي مرحلة كهذه لا ينبغي أن تتوقع نشوء أحزاب جديدة كاملة الأوصاف.
وإنما يتعين علينا أن نصبر بعض الوقت لكي تتيح لمختلف القوى السياسية أن تصوب مسارها بما يسمح للجماعة الوطنية بأن تنضج مشروعها وتتماسك لتسهم بشكل جاد في تأسيس النظام الديمقراطي الجديد، ومن ثم تنشغل بمستقبل الوطن بدلا من الاستغراق في التجاذبات الراهنة التي تعطل التقدم في ذلك الاتجاه.( السبيل )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات