أين الأسـد؟!

تم نشره السبت 28 تمّوز / يوليو 2012 01:54 صباحاً
أين الأسـد؟!
عريب الرنتاوي

ما الذي ينتظره الرئيس السوري بشار الأسد حتى يخرج على شعبه ببيان حقائق ومواقف مما يجري في طول البلاد وعرضها؟...لقد دارت معارك طاحنة في قلب عاصمة “ملكه السعيد” وعلى أطرافها من دون أن ينبس ببنت شفة...فَقَدَ نصف “الكبار” من قادة أجهزته الأمنية والعسكرية في ضربة واحدة وآثر الاختفاء....شهد “أم المعارك” تدور في ثاني أكبر مدن سوريا، بل وعاصمتها الاقتصادية من دون أن نسمع له صوت...معابر البلاد الدولية تكاد تكون مغلقة أو معطلة أو خاضعة لسيطرة “العصابات المسلحة”، ولم نر له صورة...لم يبق لدى “بلاطه” سلك دبلوماسي معتمد، أربعين بالمائة من مساحة البلاد تتحول إلى مناطق آمنة أو شبه آمنة، خارج نطاق قبضته وسيطرته من دون أن ينبئ عن خطوته التالية...ضحايا الأحداث شارفوا على العشرين ألفاً، وأضعاف أضعافهم من الجرحة والمشردين، وثمة ما يقرب من مليوني مهجرين داخل بلدهم أو خارجها وإعلامه يبث التقارير اليومية عن الطعام والغذاء وإفطارات رمضان الصحية وعالم الحقائب النسائية شديدة الغنى والتنوع.

ما الذي ينتظره الأسد بعد كل هذا وذاك وتلك من التطورات، لكي يُطل علينا بـ”خطاب للأمة” يقول فيه ما يشاء وكيفما يشاء...نحن في الحقيقة لا نعرف ما الذي يفعله الأسد وكيف يقضي نهاراته ومساءاته...وهل مخاطبة الرأي العام السوري أمرٌ بالغ التفاهة وقليل الأهمية إلى هذا الحد؟...ماذا لديه أكثر من إنشغالات تمنعه من الشروع في إلقاء خطاب من مطولاته المعهودة.

جميع المراقبين ينتظرون باهتمام بالغ رؤية الأسد بعد كل هذه التطورات...جميع المعنيين يتساءلون عن سر غياب الرجل أو تغييبه...لكنه لا يفعل، بل ويكتفي إعلامه ببث لقطات برتوكولية سريعة، خالية من أية ملامح أو تعبير، خلال استقباله وزير دفاعه ورئيس هيئة أركانه الجديدين.

ثمة من يقول أن الأسد يخضع لإجراءات أمنية مشددة، بالذات منذ تفجيرات الأربعاء الدامي في مكتب الأمن القومي...حسناً، ولكن الرجل لم يُطِل قبل التفجيرات، والتفجيرات على دقتها وأهمية التريبات التي مهدت لها وجعلتها ممكنة ، لا يمكن أن تكون تفسيراً مقنعاً لهذا الغياب....كثير من القادة والزعماء ظهروا في خطابات مباشرة لشعوبهم في ذورة الثورات والحروب والحصارات، فلماذا لا يتعظ الأسد من تجربة هؤلاء العظام.

ويقول قائل، أن معنويات الأسد في الحضيض، وأنه في وضع نفسي لا يمكنه من الظهور على الملأ بمظهر المهزوز والمأزوم، وهو ما سيثير الراحة في نفوس معارضيه وخصومه، الذين سيرون في ذلك مؤشراً دالّلاً على قرب الرحيل...أين الأسد، في دمشق أم في “ملاذه الآمن” بين الساحل والجبل، كما تقول روايات لم تؤكدها مصادر رسمية موثوقة بعد.

ما حاجة الشعب للقائد، إن لم يظهر في صفوفه في لحظات الأزمة والتأزم...لست معجباً بصدام حسين، ولكن من منّا لم يُمس بظهوره المفاجئ في أحد شوارع بغداد بعد أن سقطت في أيدي الأمريكيين، ودعوته لشعبه لمقاومة الاحتلالين الأمريكي والإيراني لبلاده...من يستطيع أن ينسى مؤتمرات ياسر عرفات الصحفية في قلب بيروت الاحتلال والحصار ولاحقاً من تحت أشلاء “المقاطعة” المهدّمة فوق رأسه في رام الله...مَنْ مِن خصوم عرفات وأنصاره من نسي كلماته المدوّية في الآذان: “شهيداً...شهيداً..شهيدا”.

بئس “الدواعي الأمنية” التي تحول بين القائد وشعبه، خصوصاً في لحظات الشدة والتأزم...من ذا الذي سيكون بمقدوره أن يرفع من معنويات الشعب والجيش السوريين، إذا كانت معنويات قائده قد اهتزت تماما....وكيف يمكن ترميم صورة الرئيس وهو الذي لم نعد نرى له “صورة” تبعث على رفع المعنويات وشد الأزر والعصب....المخاطرة والمجازفة، جزء لا يتجزأ من “القيادة”، والقيادة التي لا تخاطر، لا يمكن ان يظل لمواعظها وإرشاداتها، أي تأثير يذكر، سيما من النوع “المدرسي” كتلك التي عوّدنا عليها الرئيس السوري.

نحن في “الهزيع الأخير” من عمر الأزمة السورية...كل يوم يمضي على هذه الأزمة، تزداد ثقة فئات وشخصيات سورية ودولية جديدة باقتراب لحظة التغيير في بلادهم، وينضم ناشطون ومسؤولون وقادة أمنيون ونواب ودبلوماسيون، إلى جانب قطاعات متزايدة من الرأي العام السوري إلى صفوف الثورة والمعارضة.

نحن في أيام الحسم والحسوم، وقبل نهاية شهر الصوم، سوف تنجلي غبار المعارك وتكشف عمّا يجري خلفها وتحت غطائها السميك، وسنعرف ما إذا كان “الرحيل” قد بات وشيكاً، وأن أيامه معدودة، أم أن “أم المعارك” لم تأت بعد، وأن قطار التغيير ما زالت تنتظره محطات عديدة قبل أن يصل إلى محطته الأخيرة.

غريب أمر قادة النظام السوري، فقد لاذوا بصمت القبور، وتركوا الحديث لفوهات المدافع والدبابات وجهاد المقدسي، مع أن الفضاء من فوقهم وتحتهم ومن حولهم، ملبّد بالأخبار والحقائق والأكاذيب والحروب النفسية والضخ الإعلامي والسياسي، وبعشرات (إن لم نقل مئات) الشخصيات السورية والعربية والإقليمية والدولية، التي لا همّ لها سوى الحديث و”الإفتاء” في الشأن السوري والتنبؤ بمآلاته...أين المعلم وليد، وأين الشرع فاروق، وأين إيديولوجيو البعث، أين أركان الدولة وقادة جحافلها الإعلامية...نحن لا نرى أحداً، وأنا أزعم أنني من متابعي الإعلام السوري ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

ولولا نفر قليل من داخل سوريا (بضعة أسماء)، وعشرات المنافحين عن النظام من أصدقائه اللبنانيين، لما عرفنا ما الذي يدور في خلد النظام، وكيف يقرأ سير المعارك وما هي تنبوءاته للمرحلة المقبلة...هذا إن كان هؤلاء ينطقون بأمانه عمّا يدور في خلد النظام وروعه.

أين الأسد؟...سؤال ينتظر الإجابة، التي نبدو بشوق بالغ للاستماع إليها، صورة وصوت، وليس عبر البيانات “المصاغة” و”المرتجلة” والتي غالباً ما توفر “الذخائر المطلوبة” لماكينة الدعاية المضادة للنظام التي تعمل على مدار الساعة، وبكل مكر وخبث المعهودين عن بعض دوائر صنع القرار العربي/ الإقليمي/ والدولي.


(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات