ويأتيك من «حلب» بنبأ يقين

تم نشره الأحد 29 تمّوز / يوليو 2012 12:56 صباحاً
ويأتيك من «حلب» بنبأ يقين
عريب الرنتاوي


تقف الأزمة بمقدماتها وتداعياتها وأطرافها ولاعبيها على عتبات المدينة التاريخية، عاصمة الشمال الأولى وعاصمة سوريا الثانية “حلب”، حيث تدور واحدةٌ من أهم وأخطر المعارك التي شهدتها الأزمة السورية، والتي سيتقرر في ضوئها (ربما) مستقبل سوريا شعباً ودولة وكياناً وثورة ونظاماً...بل وقد تمتد آثارها إلى “ما وراء سوريا”، إلى الإقليم بمجمله.

لن تضع الأزمة السورية أوزارها بسقوط حلب في أيدي المعارضة المسلحة أو “بتحريرها” من قبل الجيش النظامي، ولا نرغب في مجاراة بعض التقارير والتحليلات الإعلامية التي تضع المعركة على حلب في موضع “المحطة الأخيرة” لقطار الأزمة السورية المُتنقل من محطة إلى أخرى...بيد أن “المنتصر” في معركة حلب، سيحظى من دون شك، بموقعٍ “المُقرر” في تحديد مسارات الأزمة ومآلاتها، فالأزمة السورية التي بدأت “قبل حلب” لن تنتهي بعدها، لكنها ستأخذ في سياقاتها الدامية، المشهد السوري بمجمله، في واحد من اتجاهين متعاكسين.

إن قُدّر للمعارضات المسلحة، مدعومة بالمثلث التركي – السعودي – القطري وبعض المراكز الدولية، أن تكسب “الجولة” في حلب، صارت الأخيرة “بنغازي سوريا”، وستصبح أول وأهم ملاذ آمن للمعارضة والمنشقين، وستأخذ معها وفي طريقها ثلث الشعب السوري أو يزيد، إلى خارج قبضة النظام وسيطرته، وستكون المنطقة برمتها، ساحة خلفية للإعداد والتجهيز والتدريب والتحشيد، ومنها ستنطلق المعارك و”الغزوات” صوب حماة وحمص وفي كل اتجاه.

لا نعرف بالضبط، هوية “القوة الضاربة” في المعارضة السورية التي تقود المعارك في حلب...البعض يتحدث عن “الجيش السوري الحر”، لكن هذا الأخير، بات عنواناً واسماً لكل من ليس له اسم أو عنوان...البعض الآخر يتحدث عن “مجاهدين” سوريين وعرب، احتشدوا بالآلاف في المدينة وعلى تخومها، هؤلاء لا موقع لمفهوم “الوطن” في خطابهم، كل مكان يطأونه يغدو صالحا لأن يكون مشروع “إمارة إسلامية”، وحلب في تاريخها القديم مرت بتجربة الإمارة، وفي تاريخ سوريا الحديث، كانت العاصمة لواحدة من خمس دويلات، عمل الانتداب الفرنسي على توزيع سوريا إليها، إلى جانب إمارة دمشق والإمارة الكردية والعلوية والدرزية.

وإن قُدّر للنظام أن يستعيد حلب إلى قبضته وسيطرته، فالأرجح أنه سيكون في وضع أفضل لمواصلة حروبه المتنقلة، التي ما أن تضع أوزارها هنا، حتى تندلع من جديد هناك...وهو سيوفر للقلة المتبقية من حلفائه الإقليميين والدوليين الفرصة لالتقاط الأنفاس، والاستعداد لخوض الهجوم المضاد على الساحة الدولية، بحثاً عن “صفقة” تنجي النظام من مصير محتوم، بالأسد أو من دونه.

هي معركة قطر والسعودية اللتان لم يعد يساور المراقبون شكّا في إصرارهما على الإطاحة بالأسد، مهما ارتفع الثمن وبلغت التضحيات وكيفما جاءت العواقب...وهي معركة تركيا التي دخلت في “لعبة كسر عظم” مع النظام...وهي معركة إيران التي أعلنت بوضوح أن دمشق هي خط الدفاع الأول عن طهران...وهي معركة “النظام الدولي” الذي تخوض موسكو وبكين غمار “حرب باردة” جديدة من أجل تبديل منظومته وقواعده.

قبل أيام أعادت الوزيرة الأمريكية هيلاري كلينتون الحديث عن “ملاذات آمنة” تُنشؤها المعارضة داخل سوريا، تشكل حواضن لها ولعناصرها المسلحة، وتوفر الفرصة “للمجتمع الدولي” لتقديم كل أشكال الدعم المطلوبة لها في مواجهة نظام الأسد...والأرجح أن وزارة الخارجية الأمريكية تنتظر بفارغ الصبر، أخبار المواجهة في حلب، فإدارة أوباما اتبعت في سوريا تكتيكاً مغايراً لتكتيكاتها في العراق وليبيا، وهي تؤثر “إنجاز المهمة” هنا بهدوء و”على مهل” وبوسائط غير مباشرة، مستندة إلى أوراق القوة الخليجية الثلاث: المال والسلاح و”المجاهدين”، والتسهيلات اللوجستية التركية المفتوحة للجميع بمن فيهم رجالات القاعدة ومجاهديها ولكل أجهزة الاستخبارات الدولية، فضلاً عن الدعم التنقي والتدريبي والاستخباري لحلف “الناتو”.

والحقيقة أن هذا “التحالف” لا يقف في “معركة حلب” موقف المتفرج أبداً، فقد حشد وأعد واستعد، وهو يحشد ويستعد ويُعد العدة، لا سيما بعد إحباط “مفاجأة دمشق” وسقوط سيناريو “الإنهيار السريع” للنظام، بعد تفجيرات الأربعاء في مكتب الأمن القومي في حي الروضة الدمشقي....في المقابل، لا يبدو أن نظام الأسد يقاتل وحيداً من أجل الانتصار في معركة حلب، فالتقارير الإعلامية والاستخبارية تتحدث عن تكثيف الدعم العسكري واللوجستي والميداني لحلفائه له، بانتظار لحظة الحسم في “أم المعارك”، وهي تفيض بكثير من المعلومات لجهة كثافة التسليح والتأهيل والاتصالات الدبلوماسية وتتحدث عن خبراء وغرف عمليات مشتركة، لكأن مستقبل الإقليم والنظام العالم سيتقرران في حلب ومحيطها.

لكن الحسم في معركة حلب، لا يعني نهاية الأزمة السورية، كما أن سقوط نظام الأسد، لن يكون في حال حدوثه، سوى إيذاناً بدخول هذه الأزمة مرحلة جديدة...فالحرب في سوريا وعليها، ستطول وتمتد، وإرهاصات حروب ما بعد الأسد، بدأت تُطل برأسها في “كردستان الغربية” التي تتحول إلى “شمال سوريا” على غرار “شمال العراق”، وفيما يقال ويشاع عن نقل أسلحة وتوسيع معسكرات وتسليح وتدريب وحراك سكاني في مناطق الساحل والجبل السورية، مع كل ما يحمله ذلك من انعكاسات على تركيا والعراق ولبنان، قد تطاول شظاياها الأردن وبالأخص بعض دول الخليج...والأرجح أننا بعد “حلب”، لن ندخل في جدل حول “عرقنة” سوريا أم “لبننتها”، فالمنطقة برمتها تتنقل ما بين “العرقنة” و”اللبننة” و”الصوملة” و”السورنة”...كان الله في عوننا.

(الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات