الأوفر أعداءً!!

يخطىء من يتصور ان الاوفر حظاً في الاعداء والاقل حظاً في الاصدقاء هو الشرير أو ذو النزعة العدوانية الذي يستنفر الآخرين بالتحرش بكياناتهم، وهذا النمط من العدوانيين سهل تصنيفه وبالتالي تجنبه، لكنَّ هناك أناساً طيبين باعتراف الكثيرين ممن يتعاملون معهم لهم أعداء يحسدهم عليهم العدوانيون المحترفون.
من الناحية النفسية وهذا ما يهمنا في هذا السياق على الاقل، فان من يكثر حوله الاعداء هو من يذكر الآخرين بما ينقصهم، فإن كان الأذكى تذكروا ما ينقصهم من ذكاء وان كان الأكرم فعلوا ذلك أيضاً وان كان الأشجع تحسسوا جلودهم، وكان برنارد شو يقول بسخريته المعهودة ان الناس يثرثرون دائماً عما ينقصهم، فمن يقسم بالشرف أو الابناء أو الوالدين كثيراً هو انسان لا يشعر بقيمة هؤلاء جميعاً لأنهم مجرد أداة لتمرير كذبه.
ومن يفرط في الحديث عن مغامراته الجنسية مثلاً هو أبوالخيزران في رواية الشهيد غسان كنفاني رجال في الشمس، فقد تسبب هذا العنّين في خنق عدد من الرجال داخل خزان الماء الذي كان يقوده لأنه منهك في روايات كاذبة وملفقة من مغامراته لحرس الحدود!.
ومن يصيبنا بالصداع وهو يتحدث عن وطنيته سرعان ما نرتاب منه، وقد نكتشف سريعاً انه يخبىء خلف هذا القناع جاسوساً محترفاً وعريقا.. ادى الخدمة لثلاثة أعداء على الاقل.
واذكر اننا كنا نتحاور حول هذه المسألة أو المحنة المزمنة، الصديق الباقي محمود درويش وأنا، وانتهينا الى ان يحضر كل منا نصاً أدبياً قرأه وكان محمود متحمساً للملك لير بمسرحية شكسبير ودور الابنة الصغرى الصامتة كورديليا، فهي التي أحبت أباها أكثر من شقيقاتها الثرثارات ودفعت ثمن صدقها.
أما أنا فأحضرت قصيدة للشاعر الداغستاني حمزاتوف، بالغة البساطة والعمق.
فالشاعر عندما قرر الرحيل ودع صديقاته الثلاث.. الاولى بكت وولولت وفضحته أمام المارة، والثانية كانت أقل صخباً فاكتفت بالصراخ، اما الثالثة فلم تقل كلمة واحدة، غير أن عينيها امتلأتا بالدموع الصامتة.
يقول حمزاتوف.. إذن أسرع يا حصاني الى تلك الثالثة، فهي الاصدق.
ان الانسان سيىء الحظ هو من يظن الآخرون انه أسعدهم حظاً، لأنه كلما ذكَّر شخصاً بما ينقصه حوَّله من صديق كاذب الى عدو صادق.
فالناس يهربون مما يذكرهم بعيوبهم التي يجاهدون في سبيل اخفائها، اللهم الا اذا كان هناك من يتفوق على ذاته، كالفقير الذي يمتطي فقره وليس العكس أو الجاهل الذي يعي جهله فيقرر اعلان الحرب عليه.
والارجح ان المقصود بكلمة المجاملة هو مساعدة الآخرين، مواصلة اخفاء ما يشعرون بأنه ينقصهم، فليس من المعقول ان يهدي صديق لصديقه الاصلع زجاجة شامبو ومشطاً ثمينا، أو يهدي من لم يقرأ في حياته كتاباً في عيد ميلاده أعمال ديستوفيسكي الكاملة.
ان للصدق ثمناً لا يقوى عليه غير من قرر أن يكون نفسه ولا شيء آخر!.( الدستور )