شهادة مغشوشة!

واجب السفير –اي سفير- في عمان، ان يرعى مصالح مواطني بلده المقيمين في الاردن،وان يفتح ما يشاء من خطوط مع الحكومة الاردنية لبناء علاقات احترام متبادل بين الطرفين.
لكن لا يجوز للسفير –اي سفير- ان يتدخل في الشؤون الداخلية للبلد الذي يعمل فيه، ولنا ان نتصور مثلا ان يقوم سفيرنا في واشنطن بتقديم نصائح للشعب الامريكي حول “المرشح” الافضل للرئاسة،أو يجتمع مع الشباب المحتجين الذين هددّوا بإحراق “وول ستريت”،هل ستصمت وزارة الخارجية الامريكية حينئذ،ام ستطلب من السفير ان يلتزم بأصول العمل الدبلوماسي المتفق عليه دوليا؟
الاجابة،بالطبع معروفة، لكن من المفارقات ان ما سمعناه على امتداد الشهور الماضية،سواء عبر تصريحات مباشرة من السفير ،او بيانات توضيحية من السفارة،يصب في عكس هذه الاتجاه،فقد ذكر السفير الامريكي اكثر من مرة ان “الاصلاحات التي نفذّها الاردن كافية” ولم يكتف بذلك بل دعا جميع الاحزاب الى المشاركة في العملية الانتخابية وتوجيه الشباب للإدلاء بأصواتهم.
السفير ايضا قرر ان نسبة الاسلاميين من مقاعد البرلمان تصل الى 35%،وبأن “الانتخابات” القادمة ستكون “نزيهة” ، وبأن المراحل الثلاثة من عملية الاصلاح اكتملت ولم يبق الا اجراء الانتخابات.
قبل اسابيع ايضا اثارت تصريحات السفير تجاه الدفاع عن “احد النواب” ردود فعل غاضبة،لا لمجرد تلميحه بأن “النائب” يحمل الجنسية الامريكية،وهذا مخالف للدستور، وإنما لتدخله في شأن داخلي،وعدم التزامه بحقوق الانسان التي تعتمدها سياسة بلاده –علناُ على الاقل- في العالم.
لا يحتاج الاردنيون –بالتأكيد- لمن يسدي اليهم النصح،او لمن يدلّهم على الطريق نحو “الاصلاح”، فهم أعرف بقضاياهم ومصالحهم،وأقدر على المطالبة بها وانتزاعها.
أضف الى ذلك أن مثل هذه التصريحات لا تخدم الحكومة الاردنية،لأن الشارع سيفهمها في السياقات الاخرى التي يدرك مراميها وابعادها،خاصة وان الاردنيين يرفضون دائما الاستقواء “بالخارج”،ويصرون على حل مشكلاتهم بأنفسهم.
اخطأ السفير في تصريحاته،واخطأت السفارة في توضيحاتها،ومع انني اعتقد ان الحكومة ليست سعيدة بمثل هذه “التدخل” إلاّ ان غياب اي تعليق رسمي حول الموضوع يدعو الى الحذر والانتباه.
اللافت هنا ان ما يعلنه السفير في عمان يتناقض مع التسريبات التي تخرج الى الاعلام الامريكي،وخاصة حول “جدية” الاردن في الاصلاح ،الامر الذي يدعونا الى فهم هذا المنطق في إطار آخر،والى ضرورة التدقيق في ما وراء هذا الكلام.
من حق الاردنين،سواء من يوافق على “خارطة” الاصلاح او من يتحفظ عليها او من يرفضها من الاساس، ان يعبروا عن ارائهم ومواقفهم، وأن يتفاهموا مع حكوماتهم،بعيدا عن اي تدخل خارجي. لأننا اذا فتحنا الباب لمثل هكذا تدخلات فإننا سندفع الجميع الى “الاستقواء” بالآخر،وهذا ما نرفضه سواء أكان من جهة شعبية او رسمية.
إذا كان سعادة السفير “حريصاً” على مصلحة الاردن وعلى علاقاتها مع دولته، فمن الافضل ان يبقى صامتاً لأن مثل هذه التصريحات ستبدو في نظر الشارع مغشوشة...او –على الاقل- غير مطلوبة ،وبالتالي فإنها ستصب في عكس النتيجة التي ارادها...إذا صحت النوايا طبعاً.
( الدستور )