الجريمة الكبرى

كشفت ثورة الربيع العربي الستار عن الجريمة الكبرى التي تُعد جريمة الجرائم بحق الشعوب العربية، والتي تتمثل بجريمة اغتصاب السلطة، وسلب الشعوب حقها في الاختيار وحقها في المراقبة والمحاسبة. وكشفت الثورة عن سلسلة لا متناهية من المشكلات والمصائب المروعة المتفرعة عن هذه الجريمة، التي يحتاج علاجها إلى وقت طويل لإصلاح الخلل والعطب الذي لامس جوهر الإنسان العربي، وأثر في بناء العقل العربي.
جريمة اغتصاب السلطة والسطو على إرادة الشعوب، أصبح شيئاً عادياً وجزءاً من النظام السياسي العربي، واستمرأ الزعماء هذا الاغتصاب وأضحى مع طول الزمن والعادة حقاً مشروعاً لهم، وملكاً شخصياً، يتم توارثه عبر الأجيال من دون أية درجة من درجات الإحساس بالذنب أو ارتكاب الخطيئة.
الأمر الأكثر خطورة في هذا الموضوع هو صمت الشعوب عن حقها وسكوتها المزمن على هذا الضياع وعلى هذا الاذلال القسري إما بدافع الخوف والرعب من التنكيل والمطاردة، والسجن والتعذيب، والعقاب الجماعي، أو بدافع الرغبة بالرشوة وقَبول الفتات، ما جعل الشعوب أيضاً تستمرئ هذا الظلم وهذا الاغتصاب، وتصبغ الشرعية على هذه الجريمة الكبرى.
الشعوب الآن تدفع ثمن صمتها وسكوتها، وثمن جبنها وخنوعها لهذا الباطل، وتدفع الثمن غالياً، وتدفعه مرات ومرات، ولم يقتصر الثمن على مصادرة الحرية وتقييد الإرادة، ومصادرة الأملاك، والسطو على المال العام، بل تبعه إلى السطو على الأملاك الخاصة والاعتداء على كرامة الإنسان وعرضه وشرفه.
إن الجرائم المروعة التي يتم ارتكابها الآن من هؤلاء المغتصبين، وأنهار الدماء التي تجري في عواصم دولٍ عربية هي جزء من الثمن الباهظ الذي تدفعه الشعوب جراء الصمت الجماعي والسكوت الطويل عن المطالبة بحقوقها المشروعة وأموالها المنهوبة ومقدراتها المغصوبة.
إن الصمت على الجريمة جريمة، ويشكل تواطؤاً مع المجرم المغتصب، وله عواقب وخيمة وأضرار أبدية على المجموع العام، لأنه يجعل المجرم يتمادى في عدوانه وتسلطه وجبروته على العامة، فكيف إذن بمن ينافق ويدلس ويمدح الظالم وينظم القصائد التي تُشّرعِن الظلم وتغطي على الفساد، ويُذم الأحرار والأبطال الذين أخذوا على عاتقهم قول الحق ونشر الوعي والعمل على إزالة الظلم واسترداد الحقوق المسلوبة.
( العرب اليوم )