إفشال عملية سيناء!

تختبر الاحداث الجسام منسوب الوعي لدى الافراد، مثلما تتيح للنوايا الهاجعة ان تفصح عن نفسها، وما جرى على الحدود المصرية في سيناء حدث جسيم ليس فقط لأن عدد ضحايا الحدث ستة عشر ضابطاً وجندياً مصرياً فاجأهم الهجوم اثناء تناولهم الافطار بعد نهار رمضاني طويل وقائظ، بل لأن العملية بحدّ ذاتها تحاول خلط الاوراق واستثمار لحظة حرجة تعيشها مصر والعالم العربي كله، وقد فوجئت بعد نشر الخبر بأقل من ساعة بما سمعته من لواء مصري وصف بأنه خبير في الأمن القومي، فقد قال ان مصر يجب ان تفعل ما فعلته اسرائيل ازاء قطاع غزة أي ان تعلن الحرب عليه، لكن مصر ليست لواء أو فريقاً أو خبيراً.. انها بانوراما شاسعة، وتتسع لكل الآراء ووجهات النظر حتى لو كانت من هذا الطراز ولحسن الحظ ودفاعا عن مصر وتاريخ علاقتها العضوية بفلسطين فقد سارع المشاركون في البرنامج ومعهم المذيع الى مطالبة اللواء الخبير بالاعتذار فوراً عما قال، ويبدو ان هذا الخبير كان ايضا من ضحايا العملية الارهابية لكن بطريقة اخرى، عندما انزلق لسانه الى الجهة الاخرى المضادة للواقع والتاريخ والوجدان الوطني المصري، وكم شعرت بالاطمئنان على سلامة هذا الوجدان عندما سمعت العشرات وربما المئات من مختلف شرائح المجتمع المصري وهم يعلقون على الحدث.. فأكثر من تسعين بالمئة منهم أشاروا على الفور الى اسرائيل ورفضوا خلط الاوراق، لهذا فان العملية التي أدت الى خسارة ضباط وجنود مصريين من الساهرين على حدودهم لم تنجح في اصابة الهدف الأكبر وهو التحريض ضد الفلسطينيين، انسجاما وتناغما مع عمليات اخرى تمت خلال العقود الماضية.
ونذكر للمثال فقط كيف استخدمت عملية اغتيال يوسف السباعي لهذا الغرض عندما هتف البعض ممن سُخِّروا لاداء هذه الوظيفة قائلين لا فلسطين بعد اليوم.. لكن فلسطين بقيت في ذلك اليوم وما بعده من ايام واعوام في الوجدان الوطني المصري لانها ليست قضية فولكلورية أو مجرد تكتيك سياسي، فهي عمق الامن القومي المصري والعربي معاً، والفلسطينيون جميعا يعرفون جيدا ما بذلته مصر في الصراع العربي الاسرائيلي وما قدمته من ضحايا وخسائر على امتداد ستة عقود.
لهذا علينا جميعا كعرب ونحن نقدم العزاء لمصر ونودع معها ستة عشر عسكرياً من ابنائها الذين هم ابناؤنا واخوتنا ان لا ننسى شيئا مهماً بل بالغ الاهمية وهو ان العملية نجحت لوجستيا وفقدنا هؤلاء الاخوة الاعزاء، لكنها فشلت وستواصل الفشل حتى القيامة اذا كان المقصود بها دق اسفين جديد بين مصر وفلسطين وبين الدم والدم والشجن والشجن وأخيراً بين لحمنا وعظمنا!.
( الدستور )