برنامج تصحيح اقتصادي يحظى بالقبول والترحيب

من أفضل ما قرأت مما يلخص معنى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أنه يشكل اعترافاً من الحكومة الوطنية في البلد المعني بأنها غير قادرة على إدارة شـؤونها المالية ، وأنها لذلك على استعداد للعمل بموجب إملاءات الصندوق.
عدم القدرة على إدارة الشؤون المالية لا يعني نقصاً في المعرفة العلمية أو الخبرة العملية ، بل عدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة إتقاءً لغضب الرأي العام غير المهيأ لقبول التضحيات التي يفرضها الواقع الصعب.
والإملاءات التي ستصدر تباعاً عن الصندوق وتلتزم بها الحكومة هي بالذات ما ترغب الحكومة في تنفيذه ، وتعرف أنه ضروري لمصلحة البلد ، ولكن مركزها السياسي لا يسمح بها باتخاذ قرارات صعبة مثل التخلي عن تثبيت الأسعار المتحركة أو زيادة الضرائب على الأقوياء.
ليس غريباً والحالة هذه ان يكون الصندوق (أرحم) من بعض وزراء المالية الذين كانوا يطلبون من الصندوق أن يكون أكثر شدة ، وأن تكون مهلة التنفيذ أقصر ، فالدور المطلوب من الصندوق ليس اكتشاف السياسات المالية الحصيفة بل تقديم غطاء للمسؤول الذي يريد أن يعتذر بأنه مضطر للتصرف تحت ضغط الصندوق.
وليس غريباً أن يكون قلب البنك الدولي (أرق) في بعض الحالات من قلب وزير المالية في مراعاة الاعتبارات الاجتماعية ودعم شبكة الأمان الاجتماعي.
إصلاح الدعم ، أو تخفيضه ، لا يقصد به المساس بالفقراء ، فالمطلوب زيادة دعمهم ، ولكن هناك فرقاً شاسعاً بين دعم الفقراء ودعم السلع نفسها التي يشتريها ويستهلكها الفقراء والاغنياء على السواء ، وبذلك تكون الاستفادة من الدعم تتناسب مع حجم الاستهلاك ، وهو كبير جدأً في حالة الأغنياء ، وصغير جدأً في حالة الفقراء.
لا توجد جهة محلية أو خارجية تقف ضد دعم الفقراء ومراعاة الاعتبارات الاجتماعية ، ولكن الموقف ضد دعم السلع وتثبيت الأسعار ، فلا غرابة إذا كانت سياسة التقشف تسير جنباً إلى جنب مع شبكة الأمان الاجتماعي.
الإصلاح الاقتصادي المطلوب لا يقف عند إلغـاء دعم السلع على أهميته ، بل بتجاوزه إلى زوايا أخـرى ، مثل تحفيز النمو الاقتصادي ، ضبط التضخم ، زيادة الصادرات ، تعديل الموازين المختلة ، رفع الإدخارات المحلية ، تحسين المناخ الاستثماري ، وحماية الاستقرار النقدي.
خلافاً للتخوفات ، فإن توقيع برنامج تصحيح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي لم يواجه بأية اعتراضات ، فهناك قناعة كاملة بأن الواقع الراهن يجعل هذه الخطوة ضرورة قصوى غير قابلة للمماطلة او التأجيل. ( الرأي )