في مفهوم الدولة.. القابلة للحياة!

لعل اكثر العبارات ابتذالاً وتضليلاً في «ادبيات» عملية السلام التي بدأت قبل نحو من عشرين عاماً, وما تزال لم تغادر ثلاجة المشروع الاستيطاني والاحلالي الصهيوني بدعم جلّي من الادارات الاميركية المتعاقبة, هي العبارة المصاغة بخبث ومفردات خشبية لا حياة فيها, كالقول في سياق العبارات المتهافتة, التي لا تكاد تتغير صيغتها على لسان أي مسؤول عربي أو غربي «... وقيام دولة فلسطين قابلة للحياة ولا يهم كثيراً إن اكمل احدهم (وكان عربياً وتصريحه باللغة العربية فقط) وعاصمتها القدس الشرقية, لأن لا أحد في الغرب يأخذ ذلك في الحسبان, مستنداً الى تفسيرات اسرائيلية بأن القدس هي من موضوعات الحل النهائي وبالتالي فهي خاضعة للتفاوض»..
ليس عملية السلام «الميتة» موضوع عجالتنا هذه, ولكن للاتكاء على عبارة أو مصطلح «الدولة القابلة للحياة» التي يرطن العربان بها, ويتسلّى الغرب بسردها في المناسبات, دون أن يعني أحداً منهم ذلك في جدية أو التزام بقانون أو شرعية دولية..
ولنا أن نتساءل عمّا تستبطنه الرطانة العربية التي تعنينا في هذا المجال, وعمّا اذا كان المصطلح هذا, يحيل الى أن سرطان الاستيطان الصهيوني المنتشر في الضفة الغربية المحتلة بكاملها, وليس فحسب في المنطقة المعروفة بـ»ج» وفق تصنيفات اوسلو, ناهيك عن القدس التي هي خارج كل الحسابات - وعلى ما أكد نتنياهو قبل أيام - من أن القدس والحرم القدسي (جبل الهيكل وفق تصريحه) هي جزء من السيادة الاسرائيلية.
نقول: هل يدرك العربان أن الدولة الفلسطينية العتيدة (إن قامت) لن تكون قابلة للحياة, لأنها ستبقى تابعة سياسياً واقتصادياً وبنى تحتية ومصادر طبيعية واجواء واتصالات لاسرائيل بسيادة منقوصة وبغير قوة أو تسليح أو قدرة على ابرام أي معاهدات أو اتفاقات (حتى لو كانت غير عسكرية) إلا بموافقة اسرائيل..
ثم وبالمناسبة, هل ثمة دولة عربية من تلك التي تتمتع برموز السيادة البروتوكولية الفارغة مثل النشيد الوطني والعلم وحرس الشرف والعملة الوطنية وذات جيوش مهولة العدد (لا الفاعلية بالطبع) وتحظى بعضوية الجامعة العربية ومنظمة الامم المتحدة وباقي المنظمات المتفرغة عنها، هي في واقع قابلة للحياة؟ ام انها مجرد هياكل سلطوية تم بناء بعضها من خلال سايكس-بيكو واختُرِع غيرها في ترتيبات اقليمية ودولية ووضعت تحت الوصاية والحماية الاجنبية التي ليست بالضرورة ان تكون مرئية او على طريقة الاستعمار القديم عبر تواجد الجيوش التقليدية بل ثمة قواعد جوية او بحرية او مشاة البحرية الذين يأتون لحماية السفارات او للتدريبات السنوية ذات الاسماء اللامعة والمعدات والاعداد الضخمة (لا تنسوا المحطات الاستخبارية).
غالبية الدولة العربية (في المجمل) غير قابلة للحياة بهذا الشكل او ذاك بالمعايير الدولية، ويتم الابقاء عليها بقرار «خارجي» ووفقاً لاحتياجات جيوسياسية وبما يخدم الامن القومي والمصالح الاستراتيجية لهذه الدولة الكبرى او تلك, دون اي اعتبار لمصالح شعوب تلك الدول الواقعة اصلاً تحت العسف والاذلال وأعباء الحياة الصعبة المترافقة مع خدمات سيئة وبطالة لا ترحم وفقر يُثقل كاهل الغالبية العظمى لصالح شريحة فاسدة تهيمن على مفاصل الاقتصاد متحالفة مع ازلام السلطة الذين يشاركونهم «البزنس» او يحظون بنسبة معينة او يكتفون برشوة معتبرة بعد ان يكيفوا القوانين لصالحهم وخصوصاً قوانين الضريبة والاعفاءات وغيرها من «الاختراعات» التي تشرعن النهب وتقونن الفساد..
واذا ما طويت مظلة الحماية الاجنبية وأُغلقت «صنابير» الدعم المالي وامدادات وسائل القمع والتعذيب التي تزود بها شركات السلاح وادوات القمع, اضافة الى سحب «خبراء» التعذيب ومدربي اجهزة القمع المولجة التنكيل بالمعارضين, فإن دولاً كرتونية كهذه لن يكون مصيرها سوى الانهيار, لأن ليس امامها طريق آخر بعد ان حولت شعوبها الى جيوش من المَفقّرين وانهكت الاقتصاد وأفلست الخزينة وتولى الفاسدون الاجهاز على ما تبقى من مقومات الدولة المفترضة التي لا وجود لها على ارض الواقع مهما استبد بهم شبق الاهتمام والوله بالبروتوكول وأوهام السيادة المزيفة. ( الرأي )