اقليات مطبوعة واخرى مصنوعة

منذ اكثر من عشرة اعوام طفت على السطح قضية الاقليات في الوطن العربي وهي قضية قديمة جديدة تزداد تفاقما كلما نقص منسوب المناعة المكتسبة لدى الدول وتداعت سلطتها المركزية حتى غدت فكرة الاغلبيات صنوا للشمولية والاندلاق على تعظيم حقوق الاقليات صنوا للديمقراطية.
وبالرغم من كون هذه الثنائية صحيحة من الوجهة النظرية لكنها تبقى مدخلا للتدخل الدولي في شؤون المنطقة فالغرب والشرق وما بينهما يستطيعون ادعاء الحرص على حماية الاقليات باعتباره المدخل «الديمقراطي» لتقرير السياسات المحلية في ظل غياب مريع للديمقراطية وهذا الغياب بالذات يفسح المجال لانتاج مبررات «اخلاقية» للتدخلات من خارج الاقليم في شؤون دوله.
حتى الدول التي ليس فيها اقليات ظاهرة يجري اعادة انتاج اقليات «سياسية» بهدف ايجاد المبررات للتدخل في شؤونها فاللاجئون وان كانوا نصف المجتمع الاردني
الا انهم في التعريفات الامبريالية اقلية ينبغي النظر في احتياجاتها مع اغماض العين عن اصل المشكلة التي انتجت حالة اللجوء وبهذا يجري تفصيل اقليات «سياسية» في حال غياب الاقليات الاثنية او الدينية لكي يغدو التدخل مبررا من وجوه «الحرص على القيم الديمقراطية في اطار رسالة الرجل الابيض الذي يريد رفع سوية «مجتمعات ما قبل الحداثة.
في هذا المجال تلعب السفارات الاجنبية دورا محوريا في تعريف التشكيلات الاجتماعية في بلداننا وتقرر ما اذا كانت هذه التشكيلة تستحق لقب «اقلية «ام لا في حين تضرب عرض الحائط بكل القيم العلمية التي انتجها علم الانسان «الانثروبولوجي» وهو العلم الذي انتج وتعممت قيمه في الغرب نفسه فالتحديد للاقليات ههنا هو سياسي وامبريالي بامتياز لا تحدده البحوث العلمية والمعارف الانسانية البريئة .
تتقدم فكرة الاندماج على فكرة العودة في الحالة العربية بالرغم من كونها كانت مقلوبة تماما عندما تعلق الامر بالتجمعات اليهودية بأوروبا فقد كانت فكرة الاندماج تالية على فكرة العودة الى ارض الميعاد فان تعلق الامر باليهودي تتقدم فكرة العودة على الاندماج واذا تعلق الامر بالفلسطيني اضحى الاندماج مقدما والامر في كلا الحالين سياسي يتصل بمعايير القوة بين مجتمعاتنا والدول الغربية.
ويا ليت وقف الامر عند عواصم الاستعمار التاريخي بل تعداها الى اطماع طائفية ايرانية واخرى مماثلة عثمانية وكأن وطننا برمته ليس اكثر من رجل مريض يراد تقاسم تركته قبل اصدار شهادة الوفاه.
الاقليات يمكن ان تكون مصدر اغناء في الحالة الديمقراطية وهي بالضرورة بوابة للتدخل الاجنبي والتقسيم في ظل استمرار الدكتاتوريات غير ان المثير للدهشة ان من يحمل مشعل الثورة الديمقراطية العربية الان وفي هذه الحقبة بالذات فصيل ديني سيكرس لعقود مقبلة الانقسام الطائفي والاثني في بلادنا. ( الرأي )