مرحى مرسي !

ما أنْ سَمِعْتُ الخبر، خبر خَلْع طنطاوي وعنان بما أُوتي مرسي من جرأة وشجاعة وحكمة، حتى تَذَكَّرْتُ ميشال سماحة، وكأنَّ ثمَّة أوجه شبه بين الحادثَيْن.
سماحة، الذي خانه ذكاؤه لم يستطعْ إبداء نزرٍ من المقاوَمة لمُسْتَجْوبيه وأدلة إدانتهم له، فَرَفَع سريعاً "الرَّاية البيضاء"، مُسَلِّماً بـ "قضاء الله وقدره"؛ أمَّا طنطاوي وعنان، وعلى الرُّغم من "تكريم" خالِعهما مرسي لهما إذ عيَّنهما "مستشارَيْن" له، لن يتكلَّما إلاَّ إذا استشارهما، فشعرا، على ما يبدو، بشيء شبيه بما شعر به سماحة، بعدما تبيَّن (وثَبُتَ) أنَّ "جريمة سيناء" ما كان لها أنْ تَقَع لو تصرَّفا بشيءٍ من الحرص على الأمن القومي لمصر؛ فـ "التقصير"، إذا ما أفْرَطْنا في إبداء حُسْن النِّيَّة في الفهم والتفسير والتعليل، كان "خيارهما"؛ وإنَّه لـ "خيار" يَسْتَكْرِهه "الواجب العسكري".
لقد استخذيا وخضعا، مُسَلِّمَيْن بـ "قضاء الله وقدره"؛ ولقد شدَّد لديهما المَيْل إلى أنْ يبتلعا الموسى، ويَقِفا موقفاً سليماً صائباً، هو "الصَّمْت"، موقف جيش مصر؛ فهذا الجيش، مع كثيرٍ من قادته، ومع بعضٍ من أعضاء "المجلس العسكري الأعلى"، أدرك، بعد، وبفضل، "جريمة سيناء"، ما يمكن أنْ يتعرَّض له أمن مصر القومي من مخاطِر إذا ما بقي المشير وزمرته يلعب اللعبة نفسها، وممسِكاً بكثيرٍ من أزمَّة الأمور في البلاد، ومُقَوِّيَّاً لشوكة القوى المضادة للثورة، والتي كانت تُعِدُّ العُدَّة للانقضاض على الرئيس المُنْتَخَب، فحَسَم أمره، قائلاً للرئيس مرسي: "اضْرِبْ، ونحن معك؛ فأمن مصر القومي أوَّلاً".
ويُحْسَب للرئيس مرسي أنَّه قد عَرَف كيف يتصرَّف بعد "الجريمة النكراء"، وضدَّ مرتكبيها، وضدَّ (من ثمَّ) من شرع يسعى لجعل الثورة (مع رئيسها) ضحيةً لها، ولجعل "الجريمة"، مع عواقبها، وقوداً لعربة القوى المضادة للثورة؛ فانقلب السِّحر على السَّاحر، ورُدَّ كَيْدهم إلى نحورهم، وذهبت "النتائج"، إذ قاد مرسي، وأدار، بنفسه الحرب على "المجرمين"، بما توقَّعته، وتمنَّته القوى المضادة للثورة، وسَدَنتها في داخل "المجلس العسكري الأعلى"، وتحوَّلَ إلى نصر مؤزَّر لثورة الخامس والعشرين من يناير العظمى ما كان يُراد له أنْ يكون هزيمة لها، أو مبتدأً لهَزْمها.
كان قَصْدُهم ونيَّتهم أنْ يقولوا لجيش مصر، ولشعبها، إنَّ مرسي هو الباب الذي منه تأتي الرِّيح العاصفة بأمن مصر القومي؛ فلولاه (بما يُمثِّل، وبمن يُمثِّل) لَمَا تجرَّأ "المجرمون (الذين هُمْ من أقربائه في الفكر، والذين كان بعضهم من قطاع غزة)" على ارتكاب "جريمتهم" في حقِّ مصر، جيشاً وشعباً وأمناً قومياً؛ ولا بدَّ، من ثمَّ، من سَدِّ هذا الباب، أيْ إطاحة الرئيس مرسي، والانقضاض على الثورة، "انتصاراً لمصر، وشعبها، وجيشها، وأمنها القومي"!
وأُسْقِط في أيديهم؛ فإنَّ "الجريمة النكراء"، مع مسارعة قوى الثورة المضادة، وحلفائها في داخل "المجلس العسكري الأعلى"، إلى استثمار ما بقي لديهم (وهو قليل) من "رأسمال سياسي" في "جريمة سيناء"، والتي صوَّروها بما يخدم مآربهم، نَزَلَت على جيش مصر، وعلى قادته الذين عرفوا سريعاً الغثَّ من السَّمين، كنزول سورة "فُصِّلَت"؛ فما عاد ممكناً أنْ يظل طنطاوي وعنان (وغيرهما) لابِسَيْن ثوب الحرص على جيش مصر، وأمنها القومي، فكُسِرَت سريعاً شوكتهما، وتبخَّرت فجأةً قوَّتهما، فأذلَّهما مرسي بما يشبه الصَّفح عنهما إذ عيَّنهما "مستشارين (صامتين)" له، ومزَّق على مرآهما ومسمعهما (إرباً إرباً) إعلانهما الدستوري المُكَمِّل (لجهود ومساعي القوى المضادة للثورة).
مرسي نال، أوَّلاً، الشرعية التي لا تعلوها شرعية، شاء المصابون بمرض "البلاهة الدستورية" أمْ أبوا، من الثورة؛ ثمَّ (أيْ بعد، وبفضل، "جريمة سيناء" وتبعاتها) تسلَّح بسلاح الجيش، فقُضي الأمر، وحُسِم، وأحكمت الثورة قبضتها على السلطة، التي تركَّزت الآن (ومؤقَّتاً) في ممثِّل الشرعية الثورية والشعبية والانتخابية، الرئيس مرسي، الذي ما أنْ ضَرَب ضربته القوية الحاسمة، ونال منهم قَبْل (أو قُبَيْل) أنْ ينالوا منه، حتى اتَّخَذَ من "العفو عند المقدرة" لساناً له.
كانوا يريدون له أنْ يتحوَّل من "نَبِيٍّ أعزل" إلى "نَبِيٍّ منبوذ"، فإذا به يتحوَّل من "نَبِيٍّ أعزل" إلى "نَبِيٍّ مُسلَّح"؛ فهنيئاً لمصر وثورتها بهذا "الانتصار العظيم" ! . ( العرب اليوم )