رفح .. مناسبة أم سبب؟

من فوجئوا داخل مصر وخارجها بالقرارات الأخيرة للرئيس محمد مرسي هم اضعاف مضاعفة لمن توقعوا ما حدث. وقد قرئت تلك القرارات على أنها انقلاب مدني يحدث لاول مرة في مصر ضد المؤسسة العسكرية، التي تولت الحكم اكثر من ستة عقود منذ ثورة يوليو، هذا مع العلم ان عسكرة السلطة في مصر تاريخياً تذهب الى ما قبل يوليو بكثير.
فهل كان الانقلاب المدني استباقيا لانقلاب عسكري توقعه البعض في الرابع والعشرين من هذا الشهر، أم هي فرصة رئاسية لترميم الصلاحيات التي حدّ منها البيان الدستوري التكميلي؟.
ان أية اجابة عن هذه الاسئلة وغيرها يجب ان تبدأ من الاقرار بأن هناك قوتين فاعلتين الآن في مصر، هما الاخوان المسلمون بكل ما افرزوا من حزب الحرية والعدالة وانتخابات الرئاسة وقوة المجلس العسكري، وبالطبع ثمة قوى دولية لم تغب لحظة عن المشهد منها الولايات المتحدة التي قال وزير دفاعها في عقر الدار المصرية ان لبلاده تصوراتها حول شكل الحكم في مصر بدءاً من تشكيل الحكومة والاطياف التي تغطيها.
وقد نفهم ما طرح رسميا في مصر ومن خلال بيانات الرئاسة حول احالة المشير والفريق الى التقاعد ثم تعيينهما مستشارين لاسباب بروتوكولية خالصة تجعل من الاحالة الى التقاعد تكريماً وليس اطاحة!.
لكن المشير طنطاوي كان قبل ايام قد أقسم امام الرئيس الجديد وهو يتولى حقيبة الدفاع، بحيث يبدو من غير المنطقي ان يحال الى التقاعد قبل ان يبدأ بترتيب اوراقه في مرحلة مغايرة تماماً لتلك التي شغل فيها المنصب ذاته لأكثر من عقدين.
وليس مهماً ان تسمى هذه القرارات المباغتة لاكثرية المصريين والمراقبين انقلاباً مدنياً، لكنها تحمل في طياتها ما يحمل الدلالة ذاتها، فالصلاحيات الرئاسية الآن ليست محددة ببيان تكميلي أو بأي شيء آخر ما دام الدستور قيد الانجاز، وهذا ما تخشاه القوى السياسية في مصر التي لا تريد كما يقول ممثلوها استبدال فرعون عسكري بفرعون مدني.
وما استوقفني في هذا السياق أن معظم ما كتب في مصر خلال اليومين اللذين أعقبا تلك القرارات وما سمعته من اصدقاء عبر الهاتف هو ان هناك ما يشبه الذهول والشعور بالصدمة بمعزل عن كونها ذات اصداء سلبية أو ايجابية، فالامر غير متوقع على الاطلاق وهو جلل اذا تعلق بالمجلس العسكري الذي انحاز لثورة يناير ولعب دوراً في تنحية الرئيس السابق خصوصاً وان أبرز اعضاء المجلس والفاعلين فيه هما المشير طنطاوي والفريق عنان.
ومن حق اي مراقب لما يجري في مصر الآن من خارجها ان يحشد ما استطاع من القرائن المحلية والاقليمية والدولية كي يرجح احتمالاً آخر.
من هذه القرائن قول واشنطن بأنها كانت علم بما يجري، لهذا لم تكن القرارات مفاجئة بالنسبة اليها، او على الاقل هذا هو الاستنتاج المنطقي لعلمها بما لا يعلم الآخرون.
اما الربط بين هذه القرارات المتسارعة بدءاً من تغيير مدير المخابرات العامة ورئيس الحرس الجمهوري وكوادر كبرى في الامن والدولة وبين حادثة رفح التي ذهب ضحيتها ستة عشر عسكرياً مصرياً فهو متاح لاقل الناس خيالاً فهل كان الحدث مناسبة أم سبباً؟. ان كان مناسبة فان قرارات الرئيس مرسي التي بدت مفاجئة كانت في الحقيقة قد طبخت من قبل وعلى نار أقل لهباً من تلك التي بدت مقترنة بهذه القرارات، اما اذا كان حدث رفح سبباً فهذا ما سوف تكشف عنه الايام القادمة وفي المدى المنظور!. ( الدستور )