في الكلام الملكي.. رؤية مستقبلية!

ما زال صدى المقابلة التي اجراها الملك عبدالله الثاني مع شبكة سي بي اس تتفاعل وتحظى بتغطيات اعلامية وتعليقات صحفية وسياسية وابداء رأي داخلي وخارجي عليها لعمق تناولها للقضايا المحلية والاقليمية والدولية وقدرتها على التشخيص الدقيق لمعطيات الواقع العربي وانعكاساته وخاصة في الازمة السورية التي لم تنته والتي سيكون لها تأثير قوي وربما مدمر جدا اذا لم يجر تدارك تداعياتها.
حلق الملك في مقابلته في عديد من الاجواء بعضها معقد وبعضها يفتقر الى معلومات كافية يمكن الوصول اليها وبعضها تحتاج قراءته وسبر اغواره الى رؤية تستند الى القدرة على التحليل..
لم يتجنب الملك الأسئلة ولم يبخل بالاجابة ولم يبتعد عن اصابة الحقائق وقد قدم الكثير مما يعرفه المشاهد ومما لا يعرفه وتمتع ببديهة كانت قادرة على سد فجوات الاسئلة واعراب مضامينها. كانت المقابلة هي الافضل بين كل ما اجراه الملك من مقابلات فقد روت ظمأ الذين يريدون المعرفة عن مواضيع تفرض نفسها على اللحظة الزمنية.
وغير الملك لم يكن ليجيب عليها بهذا الوضوح والمباشرة والصدق..واعتقد ان الاجابات الملكية ستؤسس لرؤية تستخدم في قراءة الواقع كما انها تحدد معالم طريق يأخذ بالتشخيص.. اكثر المعجبين بالمقابلة كان مقدمها تشارلي روز المحترف نفسه والذي فاجأته الاجوبة الملكية التي خدمت جمهور المتلقين في الغرب وحتى الجمهور العربي والاردني.
الكتابة في مضمون المقابلة تحتاج الى سعة وتنوع في التناول والى توقف عند النقاط المكثفة وحتى تلك التي جرى المرور عليها سريعا شخصيا استوقفني الحديث عن ضرورة توفير العدالة في أي قانون انتخاب سواء لجهة النص او لجهة التطبيق والنزاهة واعتبار قانون الانتخاب وسيلة اساسية لاصلاح الحياة السياسية وتوفير المشاركة.وقد رأى الملك ضرورة انصاف المدن الاكثر كثافة بتمثيل اوسع ومن هنا كانت الاضافة للقانون بزيادة عدد مقاعد القائمة الوطنية.
وجاءت اجابة الملك في الرد على سجال الاخوان المسلمين وحزبهم (جبهة العمل الاسلامي) وموقفهم الرافض للقانون ودعوتهم لمقاطعة الانتخابات تسجيلا واقتراعا بالقول (لا نستطيع ان نفصل القانون على مقاسهم) فالملك يعتقد ان الاصلاح مسيرة متكاملة وان التغيير سيرورة تنمو وتتكامل شريطة ان يكون المنطلق صائبا، وان التوافق الوطني والاجتماعي يحتاج الى حوار والى خطوات مدروسة وعميقة ليبقى الجميع في اطاره، والملك -الذي واكب عملية الاصلاح ارادها ودعا اليها- وجه نقدا للاحزاب الاردنية انها ما زالت تغرق في الخطابة والتصريحات وتبتعد عن البرامج الاقتصادية والاجتماعية القادرة على جذب المواطنين لها وفي دعوته تكثيف للعمل الحزبي وحصر للرؤى الحزبية من اليسار واليمين والوسط، فالزحام يعيق الحركة كما كان الراحل الحسين يقول عشية انطلاق الاحزاب الاردنية من رحم الميثاق الوطني وتكاملها.
وتكاثرها القائم من الشخصية والفردية التي ظلت ترهنها وتقتل نموها وتطورها وتمنع تداول المواقع فيها.
الملك وحده لا يصنع التغيير وفي احسن الحالات-وقد فعل-يدعو اليه ويشجع ويحرض باتجاهه ويجعل مهمته المساعدة في السير به للامام لتحقيق رغبات الشعب.
التغيير ادراك بضرورات الجديد في الحياة وقد يتكلم الناس عنه ولا يفعلونه لان التغيير فيه كلفة ومحنة واختبار والتخلي عن موروث وتقاليد وسلوكيات قد يكون التخلي عنها صعبا.
الربيع الاردني كما اراد الملك اختار الاصلاح ولذا انعقد التوافق على الاصلاح وكلفة الاصلاح التي يمكن دفعها هي اقل بكثير وانفع بكثير واحفظ للامن وسلامة الوطن ومصالح عموم المواطنين من بقاء الاصلاح راكدا او مرهونا او مصادرا واستبداله بالفوضى التي رأيناها تعصف بعواصم وبلدان وتدمر بناها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
الملك هو الزعيم العربي الوحيد الذي رحّب بالربيع العربي ودعا لاستثماره وطالب بتشريع الأبواب له وحذر من مغبة عدم التعامل معه بوعي وإرادة.. فهل ندرك مغزى المقابلة وهل نتخذ من الملك إماماً في كل حركاتنا السياسية لأنه يملك رؤية الوصول؟؟.
( الرأي )