أحزان سوريّة

إيهِ سورية! إيهِ أيّها الوطنُ الذبيح، وأيّتها الأرضُ المُستباحة! يا لَلدّم المُراق! ويا لَتفتّت البِلاد والعِباد! ويا لتشوّه الجغرافيا والتاريخ! أهكذا تُصبحين أيّتها الغالية: ساحةَ وغى يَختلط فيها الحابلُ بالنابل، والمرتزقةُ والمُغرِضون بأهل الدار؟ أهكذا يَتنابذ "بنو جلدتي" بالنعوت الجوْفاء التي تُغذّي النيران وتَزيد الفتنةَ والضغينة؟ أهكذا يؤجّجون الصراع، ويُصفّقون لهذا الفريق أو ذاك، وكأنّ الأمرَ لعبةُ كرة؟ أين حكمة الشيوخ؟
يا قوْم! إنّ الأخطاء والخطايا ارتكبها جميعُ الأطراف بلا استثناء. فلا "تُشَيْطنوا" هذا الطرفَ او ذاك! إنّما الشيطان يكمن في اقتتال الإخوة الأعداء؛ إنّما يكمن في لامبالاة الأمّة، وفي التحالفات المُريبة التي تَستقوي بالأيدي الخفيّة والظاهرة كي تَعيثَ في الأرض خرابًا وفسادًا. ذلك أنّ هذه العناصرَ الهدّامة تسلّلت منذ مدّة، وما زالت تتسلّل، إلى سورية . هذا بشهادة عشرات الجهات المَوْضوعيّة المُطّلعة. أفليس ذلك مبيّتًا ومُخطّطا له؟ إسألوا السؤال التقليديّ (لكن الوجيه): مَن المستفيد من كلّ ذلك التدمير المرعب؟ وأيّ تخطيط إبليسيّ وراءه؟ أيّ "نَفَس طويل" وراءه في الهندسة والتنفيذ؟ راقبوا كيف تُجيّش هذه العناصر، وكيف تُموّل، ومَنْ يُموّلها! إقرأوا ما بين السطور، وتحت السطور وفوقها؛ عسى أنْ لا يُضلّلكم الإعلام! تدبّروا الحربَ النفسيّة، والإلكترونيّة، والفوتونيّة؛ ولا تنسوا ألاعيبَ الأمم وأحابيلَهم!
نعم! إنّه "تدخّل خارجيّ"؛ لكنْ تحت جنْح الظلمة والتمويه. صحيح أنّ بارجات الأطلسي وطائراتِه لمْ تتحرّك بعْد؛ وصحيح أنّ محاولةَ التدخّل تحت (الفصل السابع) أجهضتْ حتى هذه اللحظة. إلاّ أنّه تدخّل ماكر بلا مراء؛ وهو يتفاقم يوْمًا عن يوم. ألمْ نعتبرْ بعد من دروس العراق، وليبيا، وغيْرهما؟ إنّها المرتزقة، وإنّهم الغُزاة، إذًا. إلاّ أنّ ظُلمَ ذوي القُربى أشدّ مضاضةً. (هل هم ذوو قُربى حقّا؟)
كم يَحزّ في النفس أنّنا نُلدَغ من الجُحْر نفسِه المرّةَ تلو المرّة! كم يحزّ فيها أنْ نرى "الأوطان" نَهَبًا للطّامعين، وأنْ نراقبَها تتهاوى بهذه السهولة النسبيّة! كيف نَحميها؟ هل يُمكنُ حمايتها في هذه الأزمنة المعقّدة؟ إنّه المِخرز: يأتي من دون استئذان كي يَنهشَ الكفّ نهشًا. نُعطي الغُزاة الوقودَ باستبداد الحكّام وطغيانهم. لكنْ لا تنسَوْا مَنْ هم الأعداء حقًا؛ لا تنسَوْا!
نعم! "أوطانُنا" مُستباحة. والوعي بحَدّ ذاته ليس بكافٍ كي يَدرأ كارثةً مُحقّقةً واحدة. تذكّروا النكبة! آلاف النابهين تنبّهُوا ونبّهوا إلى الأخطار المُحدقة. كان الوعي حاضرًا بقوّة. إلاّ أنّ القضاء حُمّ بقسوة. وما فتئت الهزّات تترى بلا هوادة.
إن الغرْبَ ليس غرْبًا واحدًا. فالتيّارات الإنسانيّة موجودة هناك، مَعَ أنّه لا أنيابَ لها في نهاية المطاف. لكنّ الهيْمنةَ تبقى للتيّارات الهدّامة، وتجّار الأسلحة، والحلفاء المحلّيّين. ولا أملَ لنا إلاّ في الصمود والمقاومة؛ المقاومة الذكيّة "الماكرة" طويلة النفَس، التي لها أنياب وأذرع وعقل مدبّر (مَعَ قلبٍ كبير).( العرب اليوم )