ماذا يحدث في مصر الآن؟

اذا كان اردوغان قد احتاج هو وحزبه الى ثماني سنوات من الصبر والعمل والإنجازات الاقتصادية الضخمة، قبل ان يتصدى للمؤسسة العسكرية التركية التي كانت تسيطر على كل شيء، ويخلع أسنانها، ويقدم كبار ضباطها للمحاكمات، ويزج بهم في السجون، فقد قام الرئيس المصري محمد مرسي ، بعد اقل من شهر ونصف من تسلمه سلطاته، وقبل ان يسجل له اي إنجاز سياسي او عسكري او اقتصادي، باقتحام المؤسسة العسكرية، والإجهاز على المجلس العسكري وكل ما يتفرع عنه، في خطوة فاجأت الشعب المصري، وقطاعات واسعة من السياسيين.. تلك المؤسسة التي يحسب لها انها ظلت، طوال سنة ونصف من الفوضى، تمسك بمقدرات الدولة، وتحافظ على البلاد من التمزق والتفتت، وتبحر بسفينة الوطن وسط الأمواج المتلاطمة، رغم ما شاب العلاقة بين المجلس وجماعة الاخوان المسلمين من تناغم في مراحل معينة، الى حد اتهام المجلس بانه هو الذي حسم امر فوز مرسي على شفيق بطريقة ما.
لقد كان المجلس العسكري طوال السنة ونصف المنصرمة هو حامي البلاد، وصمام الامان، والمحافظ على مدنية الدولة، رغم الحملات التي شنت عليه من قبل المتظاهرين والتيارات السياسية المتباينة ، فهل جاءت خطوة مرسي مفاجئة للشارع والأحزاب والتيارات السياسية، ومتسرعة، وقبل أوانها، ام انها جاءت بالاتفاق او التوافق مع المجلس، كما قيل؟
لقد تنبأ بعض الإعلاميين المصريين، بعد حادثة سيناء المؤلمة، ان هذا العمل سيكون مبررا لمرسي للتخلص من المجلس العسكري كله، كي يتحرر من كل القيود ويمارس سلطته بحرية، كما تريد الجماعة، وهذا ما حدث، فهل بدات مصر عملية التحول الى دولة دينية حسب أيديولوجية الاخوان؟
ساذج كل من يظن ان مرسي يتخذ هذه الإجراءات بمعزل عن تعليمات المرشد ومجلس شورى الاخوان، مع انه اعلن استقالته من الجماعة بعد فوزه بالانتخابات. فكل ما يحدث في مصر الان يسير ضمن خطة مدروسة تضعها الجماعة وينفذها مرسي، وسينجلي كل شيء قبل نهاية هذا العام، وقد بدات ملامح هذه الخطة عندما اقسم مرسي امام المتظاهرين وليس امام المجلس العسكري، ثم جاء برئيس وزراء محسوب على الاخوان، ليفرض عليه بعض وزراء من الاخوان، ومنهم وزير الاعلام الذي نفذ المجزرة الإعلامية وأطاح بكل رؤساء تحرير الصحف الكبرى، ليوجه الاعلام في سياق الايديولوجية الدينية للإخوان، ثم تأتي مجزرة المجلس العسكري وشطب قراراته، واهمها الحكم الدستوري بتعطيل مجلس الشعب، وما اقترن بها من تعيينات عسكرية عليا مدروسة، ونائب رئيس ليس له اي وزن سياسي.. ولا أظن انه سيمر وقت طويل قبل ان نرى مجزرة اخرى ترتكب ضد القضاء والمحكمة الدستورية العليا ونادي القضاة، يتبعها تقديم عدد من كبار الضباط للمحاكمة بتهمة الفساد، او إساءة إدارة البلاد، او تبديد الاموال !! رغم محاولة مرسي في خطابه بعد الإطاحة بالمجلس العسكري ، تهدئة المخاوف بادعائه ان ما فعله هو لمصلحة البلاد وليس نكاية بأحد .. وسيتم كل ذلك في سياق تحويل مصر من دولة مدنية الى دولة دينية، بعد الإطاحة بالمجلس العسكري الذي كان يحافظ على التوازن بين مكونات الشعب المصري وتياراته السياسية، وها هي مظاهرات الاخوان المسلمين التي خرجت الى الشوارع تأييدا للقرارات، دليل على ذلك ، وما أراه ان الايام القادمة تحمل الكثير من المفاجآت، ولا نملك الا ان نقول حمى الله مصر مما يدبر لها. ( العرب اليوم )