بالشمع الأحمر

تلبستنا صدمة عارمة خلال الحرب الصحية، التي شنتها مؤسسة الغذاء والدواء على المطاعم والملاحم، قبل شهر، ليس لأن أسماء كبرى وذات ماركات محترمة ظهرت ضليعة بالفساد الغذائي، وغارقة في تلويثنا وتسميمنا، بل صدمتنا الزلزالية، أننا رتعنا في (خيرات) تلك المطاعم سنوات طوال، ولم نصب بأذى يُذكر.
لم أستغرب الصحوة المتأخرة لمؤسسة حيوية، كان الواجب أن تبقى بعيون صقرية على الدوام، ولكني تنبأت أن تكون حملتها (عابرة سبيل)، وأن المياه ما تلبث أن تعود لمجاريها، وستفتح المطاعم، وتعود الناس للرتع فيها، وهذا التنبؤ ليس تقليلاً من شأن المؤسسة، بل من باب الدراية بسياساتنا المبنية على نظام (الهبة) والفزعة. وكل فزعة لا يعول عليها. وكل نار تصبح رماداً.
للناس ذاكرة (قصيرة الأمد) معطوبة، أو غير فاعلة، أي أننا ننسى بسرعة الأشياء التي حدث قبل قليل. مع أننا نتذكر أحداثا من قرون بعيدة. وهذا ما يستند عليه أصحاب المطاعم، والسياسيون كذلك، فنحن ننسى بسرعة كل البلاوي التي اكتشفت في فلافل ذلك المطعم، أو في دجاجه، وسيخ شورماه. وننسى ما صنع هذا الفطحل، حينما كان الأمر بيده. ولهذا فلا عجب أن نعود لمطعم ضبط فاسداً، قبل يومين.
ولأن جبل الفساد، مثل جبل الجليد، في ماء المحيط، لا يظهر منه إلا خمسه تقريباً، ولأن ما خفي أعظم، فإننا بتنا نتوقع كل شيء، ولا شيء يكسر أفق توقعنا. فخبر عادي جداً، ما رشح من مستشار وزير الزراعة، من أن 24 طن لحم بقري فاسد دخلت البلاد بداية العام، وتم استهلاكها بنجاح، حتى أخر (هبرة) أو (شبطة).
وكي لا نبقى نرقب زوابع الفناجين، أقترح أن تغلق مؤسسة الغذاء والدواء بالشمع الأحمر. رغم أهميتها وريادتها وحماس موظفيها، فشعب يستهلك مثل هذه الكمية من اللحوم الفاسدة، ويبقى صادماً دون أن يحدث معه ولو رعشة مغص، أو حكة أمعاء، لا ضرورة له بمؤسسة تراقب غذاءه وطعامه. فالظاهر أن مناعة كبرى لا تُغلب، تولدت لنا، وأننا لا نلتهم اللحم الفاسد فحسب، بل قادرون على لهط الزلط، ولحس الهباب.
قضية اللحوم الفاسدة، ما زل ملفها في عهدة هيئة مكافحة الفساد، مثل عشرات من القضايا النائمة، أو المنومة. ولهذا سأسحب اقتراحي ليغطي هذا الهيئة بالمعية، فيبدو أننا نلنا مطعوماً ثلاثياً أو خماسياً في طفولتنا، ضد كل . ( الدستور )