ملاحظات على رحلة الرئيس

تم نشره الأربعاء 29 آب / أغسطس 2012 01:19 مساءً
ملاحظات على رحلة الرئيس
فهمي هويدي

رحلة الرئيس محمد مرسي إلى الصين وإيران تستدعي العديد من الملاحظات والتساؤلات، خصوصا أننا نعلم الآن أن زيارة الصين لها أهدافها الاقتصادية بالدرجة الأولى، في حين أن زيارة إيران التي قيل إنها سوف تستمر أربع ساعات فقط لا تحتمل أكثر من توجيه بعض الرسائل المقتضبة التي قد يتداخل فيها السياسي مع الاقتصادي. وإذا جاز لي أن أقارن بين الزيارتين فقد أقول إن زيارة الصين تستهدف دخول البيت والتفاعل مع أهله. أما زيارة إيران فلا تتجاوز محاولة التعرف على العنوان وفتح باب البيت المستعصي، والاكتفاء بمجرد إلقاء السلام على أهله. وهدف الأولى تحقيق المنافع أما هدف الثانية فقد لا يتجاوز وصل ما انقطع.
 ما عندي من ملاحظات وتساؤلات منصب على الشق الاقتصادي من الزيارة بوجه أخص، الذي هو أكثر تحديدا ووضوحا في الوقت الراهن.
 الملاحظة الأولى أننا ينبغي ألا نتوقع جذبا للاستثمارات الخارجية إلى مصر قبل إصلاح الأوضاع الداخلية والبدء بتحريك عجلة التنمية في البلد. لأن المستثمر يتوجه إلى البيئة التي يطمئن إلى أنها تشكل إغراء جاذبا له، وهو ليس مستعدا للمغامرة بالذهاب مثلا إلى بلد أغلق فيه 2000 مصنع أبوابه، ومصانعه الكبرى تعاني من مشكلات تهددها بالإغلاق. لذلك فقد تمنيت أن يعالج الرئيس والحكومة معه المشكلات الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد في الداخل، قبل أن يخاطب أهل الخارج. وللعلم فإن ذلك ما فعلته الصين والهند، حيث لم تتقاطر عليهما الاستثمارات الخارجية إلا بعد أن اقتنع المستثمرون بأنهم مقبلون على فرصة واضحة المعالم وليسوا مقدمين على مغامرة لا تعرف عواقبها.
 الملاحظة الثانية تعيد التذكير بأهمية مراجعة ونقد الفلسفة الاقتصادية المهيمنة في مصر، والتي كان لها  تأثيرها الواضح على برنامج «النهضة» الذي تبناه الدكتور مرسي. وهى الفلسفة التي تعطى الأولوية لتحرير التجارة وتشجيع الاستثمار والاستقدام من الخارج، في حين تتجاهل للأسف معطيات الداخل وقدراته وخصوصيته. الأمر الذي يعني انها تعتني بالاستنساخ بأكثر مما تعتني بالإبداع، وتقدم الحلول الجاهزة والمعلبة على الحلول المبتكرة النابعة من القدرات الذاتية والإمكانات المحلية.
 الملاحظة الثالثة متصلة بسابقتها وتعد ترجمة عملية لها. ذلك أن وفد رجال الأعمال الذي سافر مع الرئيس في رحلته ضم أشخاصا يمثلون شركات تجارية ومكاتب للاستيراد، الأمر الذي أعطى انطباعا باهتمام الحكومة بالاستيراد من الخارج، وعدم اهتمامها بالإنتاج والتصدير. ولم تكن تلك هي الملاحظة الوحيدة على الوفد المسافر لأنني سمعت من بعض رجال الأعمال قولهم ان الذين رافقوا الرئيس في رحلته هم أنفسهم المجموعة التي التقته بعد توليه السلطة، وقيل لي أيضا إن عددا من رجال الأعمال الذين التفوا حول جمال مبارك وأبيه في النظام السابق، وحققوا من وراء ذلك مكاسب لا حدود لها، استطاعوا أن يلتفوا حول القيادات الجديدة، وأن يصبحوا من أركان الوضع  الاقتصادي المستجد.
 ومن المفارقات أن العديد من الخبرات والكفاءات التي حوربت وأبعدت عن محيط العمل العام في ظل النظام السابق بسبب اعتراضهم على سياساته، هؤلاء تم اقصاؤهم واستبعادهم أيضا من المشهد الحالى، ربما تأثرا بآراء ومواقف عناصر النظام السابق الذي فرضوا أنفسهم على مشهد ما بعد الثورة.
 الملاحظة الرابعة أنني أدركت أن ضعف التواصل بين الرئاسة والحكومة وبين النخبة ومؤسسات المجتمع ليس مقصورا على السياسيين والإعلاميين وحدهم، ولكنه حاصل أيضا بالنسبة للاقتصاديين ورجال الأعمال.
 وفيما فهمت فإن ذلك التواصل فيما خص الأخيرين يكتنفه الغموض، بمعنى أنه بات مقصورا على دائرة محدودة مغلقة على ذاتها، في مسلك يبدو متأثرا بأساليب وتقاليد الجماعة، التي لم تنفتح بعد على نهج الدولة، الذي ينبغي أن يتسم بالوضوح والشفافية.
 الملاحظة الخامسة والأخيرة هي أنني كنت قد دعوت في وقت سابق إلى ترتيب لقاء بين رموز السلطة في مصر وبين الخبرات الاقتصادية المصرية، للاتفاق على تشخيص الأزمة ومحاولة وضع حلول لها تعالج الثغرات الحاصلة بعد ترتيب أولوياتها. وبشكل أخص تحدد نقطة البدء وما هو عاجل من الأهداف وما هو ضروري وما يمكن تأجيله، لكن يبدو أنه ليس لدى السلطة التنفيذية استعداد لممارسة مثل هذا الوضوح والشفافية في الوقت الراهن.
 إن الارتباك مفهوم في بدايات تأسيس النظام الجديد، والاعذار مطلوب أيضا، مع ذلك فإنني أتمنى أن تمارس الجهات المعنية بترتيب رحلات الرئيس من جانبها نقد الذات وتصحيح الأخطاء أو إزالة الالتباسات، حتى تحقق تلك الرحلات النجاح المرجو لها، بحيث تصبح إضافة إلى رصيد الوطن، وليس مجرد فرصة لتلميع صورة الرئيس وإثبات حضوره والإشادة بتحركاته. ( السبيل )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات