مذبحة داريا و«وتشييع» سوريا!

كلما ارتكب شبيحة بشار مذبحة، قلنا كم كانت بشعة، وهي أبشع ما ارتكب، ثم يفاجئنا القتلة بمذبحة أكثر بشاعة ووحشية، ولم نكن ندري على وجه الدقة لمَ يستهدف القتلة مناطق بعينها ويخصونها بحقد خاص؟، إلى أن استوقفتني مذبحة داريا، وتساءلت عن سبب هذه الوحشية غير المسبوقة، التي خصوا بها هذه القرية الوادعة المسالمة!
لقد تبين لي بعد البحث والتنقيب أن داريا تحديدا لها قصة في سياق الحرب الشعوبية التي يشنها شبيحة الأسد على أهل الشام، وخاصة أهل السنة تحديدا، فهي تأتي في سياق ما يمكن أن يسمى حركة «تشييع» الشعب السوري بكل مقوماته السكانية والتي يقال أن الذي يقودها هو الحرس الثوري الإيراني ويتم الأمر على النحو الآتي: مقام –لأحد الصالحين- يتم تبنيه من قبل المرجعية الإيرانية العليا في دمشق حيث يتم في المرحلة الأولى تكبير حجم القبر بشكل لافت للنظر، وإلصاق اسم أحد أهل البيت من أبناء أو بنات سيدنا علي بن أبي طالب أو بنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعاً. يتم إلصاق الاسم بهذا القبر، ثم يجعلونه مزاراً كبيرا،ً يتجه الحجيج الإيراني بالمئات إلى هذا القبر، ثمّ يصبح الحجيج بالآلاف، لإثارة ضجة كبيرة عن المكان، والتأكيد على أنّه قبر لأحد أهل بيت سيدنا علي رضي الله عنهم جميعاً. ثمّ بعد ذلك وخلال بضع سنوات يتم شراء الأراضي والبيوت المحيطة بالقبر، ليتم إنشاء حسينية كبيرة (معبد الشيعة) على القبر، وكذلك لبناء فنادق وأسواق وأماكن سكن محيطة بالقبر والحسينية، بحيث تكون مستعمرة إيرانية تحت غطاء الدعوة الدينية للتشيع لأهل البيت!
كان هذا ما حصل لأحد القبور في مدينة داريا، حيث قدِم بعض الإيرانيين إلى البلدة ليكتشف(!) أن في وسط البلدة قبراً قديماً يعتقد أهل البلدة أنه لأحد الأولياء الصالحين، فيما بعد وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي يقوم الإيرانيون ببناء قبر كبيرفوق القبر القديم، ثم يشترون المكان المحيط بالقبر لإقامة ساحة محيطة بالقبر، تحضيراً للزوار الذين بدأوا يتوافدون بالمئات من الحجاج الإيرانيين، ثمّ تكاثروا ليصبحوا بالآلاف. ووضعوا على القبر اسم السيدة سكينة بنت سيدنا علي كرم الله وجهه. واشتروا المكان وبدأ الإيرانيون يشترون الأراضي والبيوتات االمحيطة بالقبر لبناء الفنادق والأسواق في محيط القبر. وفي العام 2003 وبعد استكمال شراء العقارات المحيطة في القبر بدأ الإيرانيون بإنشاء حسينية ضخمة على القبر باسم –مقام السيدة سكينة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، والبناء الضخم ما زال تحت الإنشاء، حيث تمّ بناء أسواق في محيطه وعمارات سكنية وفنادق تمهيداً لإقامة مستعمرة إيرانية في مدينة داريا، ويبدو أن أهل المدينة شعروا بالمخطط الإيراني الخطر على مدينتهم وعلى قطرهم، فحاولوا الاحتجاج على ذلك لرئيس البلدية، الذي تعاطف معهم، غير أنهم جوبهوا بموقف متشدد من النظام السوري ممثلاً بأجهزته الأمنية، التي أقالت رئيس البلدية المتعاطف، وعيّنت بديلاً عنه، الذي قال لأهل المدينة لا أستطيع فعل شيء، لأنه تمّ تهديدي من قبل الأجهزة الأمنية، وطلبوا مني أن أدعم مشروع المستوطنة الإيرانية هذا. أهل المدينة يقولون إن مدينتهم (داريا) لا يوجد فيها أي عائلة شيعية، فلماذا تبنى عندنا هذه الحسينية الكبيرة؟ أجهزة المخابرات السورية أحضرت المحتجين من أهل المدينة، وتمّ تهديدهم فرداً فرداً بسوء العاقبة إن هم تابعوا احتجاجهم على المشروع الإيراني!
ويبدو أن ما وقع في هذه القرية الوادعة ليس بعيدا عن هذا الملف اللعين، فكانت المذبحة البشعة، التي أودع الشبيحة فيها كل حقدهم، ولا نستبعد أن يكون بينهم ممثلون عن الحرس الثوري، لأن طريقة القتل التي رأيناها في داريا لا يمكن أن يرتكبها سوريون عرب أقحاح ضد أبناء جلدتهم!
( الدستور )