.. نكتب لفقد الرجال!

.. يكاد هذا الهزيع من كل عام، أن يكون موسم العزّ في رجال فقدناهم، من بناة الأردن والنماذج البطولية في تاريخه. بداية من الشهيد المؤسس عبدالله بن الحسين، إلى هزاع المجالي وزهاء الدين الحمود ورفاقهما من ضحايا رئاسة الوزراء، إلى وصفي التل.. مروراً بمئات قضوا في فلسطين، والكرامة، وكل مكان من الأردن جار الأعداء عليه.
وفي مثل هذا الوقت قبل عشر سنوات فقدنا أميراً، وجندياً، ورجل حكم في فقدنا للأمير زيد بن شاكر.. هكذا دون مقدمات كعاصفة تشرينية في الصحراء!.
لم أجد عام 1989 شيئاً نقوله للأمير بعد انتخابات أولى اجمع الأردنيون جميعاً على احترامها سوى: أبو شاكر.. كفيّت ووفيت. فقد كانت حكومته تحمل روحه وهو المُحب للأردنيين، قد اجرت انظف انتخابات نيابية في بلدنا. ارضت الجميع فلم يناقش أحد قانون الانتخابات، ولم يتفلسف حزبي على وطنه، ولم يزاود أحد على دولته.. ذلك أنه رحمه الله تعامل مع الجميع بالانصاف والاحترام الذي تعامل فيه القائد مع جنوده طيلة عقود من الزمن: منذ تخرّج الملازم الثاني زيد بن شاكر من ساندهيرست، إلى أن قاد الجيش العربي بأعلى رتبة عسكرية، إلى أن وضع الرجل امكاناته في خدمة مليكه ووطنه رئيساً للوزراء. فكان الرجل الذي انصف المرحلة الديمقراطية.. فكان ربيع الأردن قبل كل ربيع!.
فقدنا زيد بن شاكر وهو في قمة شبابه. كما فقدنا هزاع، ووصفي، وكل الرجال الذين حملوا هَمّ بلدهم.. وكما فقدنا شيوخهم حابس وجيله من الشهداء الأجياد الذين اعطوا بلدهم أرواحهم قبل أن يطلبوا منها منصباً، أو ثروة أو جاهاً.
لا نفتقد رجالنا بهذا الحزن الفاجع لأننا افتقدنا الرجال في هذا الزمن العجيب. فنحن نعرف أن هذا الوطن يعج بمئات مثل هزاع وزيد بن شاكر وحابس.. شرط أن نتيح لهم فرصة الخدمة، وميدان القتال الشريف. فقد لا يدرك الناس أننا من كثرة ما وصمنا هذه المرحلة بالفساد، والنهب والبيع والشراء، كدنا نفقد الثقة بكياننا السياسي، وإرادة الحياة في شرايين النظام والوطن. ولم ننصف رجالنا الذين فقدنا وتضحياتهم، وحبهم الغامر للأردن والأردنيين.
رحم الله كل شهيد، وكل بطل أعطى الأردن هذا النسغ الطاهر في شرايينه، وهذا الزهو على الجباه السمراء المعجونة بعنف الخطوب.(الرأي)