طرائفنا .. وطرائفهم!!

اذا كانت المقارنة بين أثريائنا وأثريائهم قد أصبحت معروفة منذ كتب طه حسين مقالته الشهيرة قبل أكثر من قرن، فإن المقارنة بين طرائفنا وطرائفهم كما تنشر في الصحف والمتابعات الفضائية بحاجة الى رصد.. وان كان لا بد من عيّنات فلتكن على النحو التالي..
حفل جماعي لزواج الكلاب، وعقود قران مضمخة بالورد وموقعة بالمخالب في حديقة واسعة خضراء.. مقابل قبر جماعي جديد لأطفال ونساء في منطقة ما من الصحراء..
كلب يتقاسم مع صاحبه العزف على البيانو ويحني رأسه لمن صفقوا له، مقابل اعادة اكتشاف وظيفة السكين وقطع الرأس ووضعه على البطن.
كلب ثالث يساعد صاحبه في العمل على ترميم سقوف بيوت قديمة في لندن, ومنها ما يصل ارتفاعه الى خمسين متراً.. مقابل قذف الحجارة على قطة تموء وهي تحاول الولادة.
نساء وأطفال ورجال من مختلف الأعمار يقرأون كتباً منها روايات وأشعار ودراسات في مترو الانفاق والمحطات وعلى الشاطىء، مقابل نساء واطفال ورجال يشتبكون ويصرخون ويملأون الأرض بقشور البيض والفاكهة.
عزف رقيق على الرصيف مقابل عيارات نارية في الهواء قد تذهب ضحيتها سيدة خرجت من البيت لتشتري خبزاً ولم تعد، مقاه صغيرة على الارصفة يهمس فيها الجالسون أو يتحاورون مقابل تسكع أعمى وصرخات مبهمة بدائية.
حدائق للعشاق والفنانين والاطفال مقابل حدائق تحولت الى حاويات تعبث فيها القطط وتمزق أحشاء الأكياس السوداء.
هذه الطرائف أو ما تيسر منها في فقه التخلف المقارن، ليست شيئاً ازاء الارقام.
فالعربي ينفق على البحث العلمي من محيطه الى خليجه أقل من واحد بالمئة مما تنفق اسرائيل.. رغم ان الفارق في عدد السكان هو ثلث مليار انسان على الأقل.
أما كم نقرأ في السنة فالاجابة محرجة لأنها قد تدفع كاتباً يحترم مهنته الى الانتحار العقلي وبالتالي الصمت.
وما يعود على ايطاليا من صناعة الاحذية والحقائب الجلدية فقط قد يتجاوز ما تظن بعض الدول انه سبب ثرائها وتفوق مستوى الدخل القومي فيها.
ولا أعرف ضاحية في هذا الكوكب تضم جامعات وبيوت اكاديميين وخبراء تخلو من مكتبة واحدة ومن دار سينما واحدة ومن مقهى واحد الا الضاحية التي أطل عليها من نافذتي..
عندما عقد طه حسين مقارنته بين أثريائنا وأثريائهم لم يكن بيل غيتس قد تبرع بثروته الفلكية، ولم يكن الفرنسيون ينفقون ما يوازي ميزانية الدفاع على دور الثقافة والفرانكفونية وحماية لغتهم من الانقراض، لأنهم يدركون ان هناك آلاف اللغات في طريقها الى الانقراض.
ولم يكن يومئذ عدد الجامعات والمعاهد والكليات في عالمنا العربي ينافس عدد الكازيات وصالونات الحلاقة.. لكن أثر هذه النعمة لم يظهر بعد على عبيدالله، وما ظهر هو النقمة فقط، بدءاً من رصاص الثانوية السامة التي أصبحت مجرد شهادة في مكافحة الأمية حتى عشرات أو مئات الآلاف من العاطلين.
فهل نخجل قليلاً ونتواضع قليلاً ونحن نقارن؟؟ ( الدستور )