لن تجرؤ حكومة بعد اليوم

قرار الملك انتصر للمواطن وأعاد الحكومة الى هدفها المرسوم وحماها من انتفاضة النواب .
كان متوقعا تدخّل جلالة الملك عبدالله الثاني وانتصاره للمواطن الاردني بعد قرار الحكومة المفاجئ وغير المبرر رفع اسعار المحروقات، لان الملك دائما ما ينحاز الى شعبه حتى لو كان الخصم حكومة جلالته التي كثيرا ما تنظر لأرقام العجز في الموازنة بعيدا عن بعديها الاجتماعي والاقتصادي.
القرار الملكي انتصر للمواطن واظهر ضعف الحكومة وتخبطها وبُعدها عن نبض الشارع، لكنه في المقابل حمى الحكومة من انتفاضة النواب بعد ان سحب 89 نائبا الغطاء الدستوري الهش عنها واعطاها الملك فرصة جديدة وأعادها مرة اخرى الى مهمتها الاساسية ( الإعداد لاجراء الانتخابات النيابية قبل نهاية العام) لعل وعسى يمكن ترميم معضلة الانتخابات ووضعها على سكّتها.
الحكومة بكل بساطة فكرت أن " كل الاكلات زلابية" وأن قرارها سيمر بهدوء وسلامة مثلما مرّ سابقه منتصف حزيران الماضي، لان الاردنيين لن يحتجوا، لكن الحكومة للاسف لم تقرأ الظرف الحالي ولم تطل في وجه الاردنيين، لانها لا تعرف ان ظهر المواطن اصبح على الحائط وان جيوبه خاوية، بعد ان خرج من شهر رمضان والعيد وموسم المدارس، الامر الذي راكم الغضب وزاد جرعته في الشارع.
فالتوجه الملكي نزع فتيل الازمة السياسية التي خلقها القرار الحكومي الجائر، وقد رأينا تداعياته السلبية في الشارع على الفور لدى القوى الحزبية والشعبية والاغلبية البرلمانية وحتى سائقي سيارات السرفيس.
إن انتفاضة الاغلبية النيابية مساء الاحد دقت جرس الخطر قبل ان يحل يوم الجمعة المقبل والذي كانت تنتظره القوى الحزبية والشعبية المعارضة لتوسع من اجتياحها للشارع ارتكازا على القرار غير الشعبي برفع اسعار المحروقات.
ويبدو أن الحكومة لم تتنبه الى توقيت القرار والذي جاء في لحظة سياسية حرجة خاصة وانها تنافح من اجل زيادة اعداد المسجلين في الانتخابات النيابية المبكرة وتقليل مخاطر قرار مقاطعة جماعة الاخوان المسلمين لصناديق الاقتراع، لكن قرارها ادى الى تعظيم قوة "الاخوان" والمعارضة عامة وبالتالي اعطى القوى المناهضة وقودا فعالا في الشارع، بعد ان دفعت الحكومة انصارها والموالين لها الى حضن المعسكر الآخر، ليس اقتناعا بل انتقاما منها.
لن تجرؤ حكومة بعد اليوم على اتخاذ قرار غير شعبي ولن تستطيع حكومة بعد اليوم رفع اسعار المحروقات قبل ان يكون القرار مبررا او على الاقل شفافا تمليه ظروف حقيقية قاهرة وظاهرة للعيان، كأن ترتفع اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية.
أما ان يبقى المواطن الاردني "ملطشة" للحكومات فهذا امر ولّى زمنه، والحكومة هي صاحبة الولاية ويجب ان تبحث دائما عن البدائل المناسبة والتي عادة ما يكون آخرها التفتيش في جيوب رعاياها.
الدرس الكبير الذي شهدناه في مجلس النواب وكشف الاغلبية النيابية الغطاء الدستوري عن الحكومة يظهر ان مجلس النواب الذي وقعنا "شهادة وفاته" قد انحاز للشعب في اللحظة الحاسمة.
لا اعرف كيف ستتصرف الحكومة بعد اليوم، ولا يكفي ان يقال "انا جندي" بل يجب ان يقال "انا ضابط" وانا سأتصرف واتحمل المسؤولية واجد البدائل وامتص غضب الشارع واقترب من همومه ومطالبه، فالدولة معنية بعقد صفقة كبيرة مع الاردنيين، ترضيهم جميعهم أو حتى اغلبيتهم وبخلاف ذلك فإننا نضع العربة امام الحصان . ( العرب اليوم )