لعبة فك عقدة الخيط

قليلة هي الأبواب المفتوحة أمام وزير المالية للخروج من المأزق المالي الذي يتفاقم يوما بعد. الربع الأخير من العام بدأ والمنح الموعودة لم تصل بعد، ولا أحد يدري إن كانت ستصل أم لا؟
مبررات عدم تسلم المنح المقدمة من المسؤولين واهية وتكشف عدم اليقين حيال إمكانية الحصول عليها، وعند سؤالهم يؤكدون أنها ستصل، لكن متى وكيف وكم؟ لا أحد يدري!.
التقصد في عدم تسليم المنح أمر يناقشه المراقبون، ويحللون مبرراته في إطار ما يجري في الإقليم من ثورات، ومدى تأثير تأزم الوضع الاقتصادي الداخلي على الاستقرار السياسي المحلي.
اقتصاديا يظهر الأردن وحيدا في هذه المرحلة الحساسة، والمنطق والذكاء يوجب أن تتصرف الدولة وكأن المنح لن تصل، وهذا أسوا سيناريو يمكن أن يقع، والحكمة تقتضي العمل تبعا له، حتى نتجنب سيناريوهات قاتمة يحملها تأخر المساعدات في طياته.
السبل المحلية للخروج من الأزمة محدودة وتطبيقها ليس أمرا سهلا، لكن السير فيها أمر محتوم لعبور هذه المحنة التي تبدو الأشد نتيجة تزامن عوامل داخلية وإقليمية وعالمية صعبة أدت إلى تعميقها.
الحل الأول تسريع إقرار قانون الضريبة بما تبقى من عمر الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، بحيث يساهم إقرار القانون بتوفير مصادر إضافية للإيرادات، واعتماد سياسة أكثر حصافة للحد من ظاهرة التهرب الضريبي. لكن الأنباء القادمة من مجلس النواب لا تبشر بخير؛ حيث تشير المعلومات إلى ضغوطات تواجهها اللجنة المالية ومراكز قرار أخرى في الدولة من قبل جماعات ضغط، ما قد يؤدي إلى الخروج بقانون لا يحقق الغاية المطلوبة.
ونتيجة الظرف الاستثنائي لا ضير أيضا من التفكير مجددا بخفض الإنفاق العسكري لتخفيض العجز مع نهاية العام، حيث كانت القوات المسلحة اتخذت قرارا مع بداية هذه السنة المالية بتخفيض إنفاقها بحوالي 200 مليون، ولا ضير من دعم جديد في أزمة قد تطال الجميع وتضر بالاستقرار المالي.
كبح الاقتراض الداخلي والتوجه إلى مثيله الخارجي قد يكون جزءا من الحل؛ فمن الممكن أن تلجأ الحكومة إلى الاقتراض بالعملة الأوروبية (يورو بوندز)، لتمويل جزء من عجز الخزينة، حيث تعطي هذه الخطوة فرصة لتحقيق النمو حين تخلي ساحة الاقتراض الداخلي للقطاع الخاص.
ويجب أن يتقمص جميع أعضاء الحكومة اليوم دور وزير المالية وتحديدا ما يتعلق بضبط النفقات، لأن نمط الإنفاق حتى اللحظة لا يعبر عن أزمة وسيجلب الكوارث غدا، وثمة مسؤولون ما يزالون يظنون أن الدنيا "قمرة وربيع" مسقطين من حساباتهم الأوضاع الخطرة، إذ ما تزال التعيينات على قدم وساق، بالتفاف صارخ على قرارات عدم التعيين.
والسوق المالي الذي يعد مرآة الوضع الاقتصادي لم يلق اهتماما يناسب المطلوب، ولذلك نجد الحكومة غير مكترثة بإقرار قانونه ليصبح فاعلا، لكن الفرصة قائمة لتسريع إقرار تعليمات الأسواق الثلاث وفصلها.
كذلك يساهم إقرار قانون الصكوك الإسلامية الموجود اليوم تحت القبة بتقديم جزء من الحل، لأنه يوفر نوافذ جديدة للتمويل من خلال استثمار جزء من السيولة المتوفرة للمصارف الإسلامية الأربعة العاملة في السوق المحلية والتي تقدر بنحو 400 مليون دينار.
قد لا يكون الوضع القائم مواتيا لرفع شعار الاعتماد على الذات، لكن الظرف الموضوعي والفطنة تتطلب رفعه والعمل على تطبيقه رغم قسوته، حتى يتسنى الخروج من الأزمة بأقل الخسائر.
ماليا قد تساعد الأفكار السابقة على الخروج من الأزمة، لكن ذلك لن يعين الدولة على القيام بواجباتها حيال شرائح واسعة من المجتمع، ولن يخفف من نسب البطالة والفقر، كما أنه لن يساعد في تطبيق برنامج التصحيح الاقتصادي المصيري، الأمر الذي يتطلب مراجعة النهج المطبق سياسيا خصوصا أن الوصفات التي قدمت خلال الفترة الماضية فشلت وها هي نتائجها تظهر، خصوصا أنها لم تفلح في تمرير الجرعة الأولى من برنامج التصحيح.
النجاة تكمن في البحث عن صيغة توافقية للإصلاح تجتمع حولها المعارضة والاصلاحيون الرسميون وهي موجودة وليست صعبة، بحيث تقصي رؤية وأفكار حكومة فايز الطراونة الاقصائية والمحافظة، التي أوصلتنا لكل هذا التوتر وأعادت فتح الأبواب على سيناريوهات خطرة، وتصعيد بلا حدود. في الخيط عقد كثيرة وفكفكتها تتطلب مهارات مختلفة.
( الغد )