لماذا بكت الحاجة صفية ؟

متأخراً بعض الشيء، حدثني صديقي عن أن والدته، الحاجة صفية، وهي الفلاحة الثمانينية حزنت كثيراً وبكت عندما سمعت بقرار وقف عضوية سورية في الجامعة العربية، وقالت له أنها منذ وعت على الدنيا وهي تسمع عن صلة سورية مع العروبة، وأن كلمات مثل عرب وعروبة عندها ارتبطت الى درجة كبيرة بسورية، أنها الآن قلقة.
أم يوسف، وهي أيضاً فلاحة ثمانينية، لديها مشاعر تختلف قليلاً عن مشاعر زميلتها الحاجة صفية، وكلتاهما من الرمثا. أم يوسف يشغلها القتل وصور الضحايا في سورية، وهذا هو ما يبكيها. في البداية كانت ترى أن النظام هو الذي يقتل، ثم أخذت ترى أن الطرفين يقتلان، ثم أخذت تقلق من حجم وعدد الأطراف التي تشارك بالقتل، وصارت مؤخراً تناقش مع نفسها فكرة "المؤامرة"، إنها تلفظ كلمة "مؤامرة" بارتباك وخجل لأنها ليست من الكلمات الدارجة شعبياً، وخاصة الهمزة على الواو التي يلفظها الفلاحون الأردنيون واواً صريحة، لكن ذلك غير ممكن في كلمة "مؤامرة" لأنها تصبح بلا معنى. غير أن أم يوسف في المحصلة تتساءل ببساطة: لماذا لا يستقيل الرئيس كي يفشل هذه التي يقولون عنها: "المؤامرة"؟
الحاجتان صفية وأم يوسف، نموذجان لموقف شريحة من الأردنيين الذين لا توجد عندهم مسافة تفصل بين المشاعر والمواقف. وهؤلاء ينفعلون الآن كثيراً بما يجري في سورية ليس بصفته شأناً سياسياً، بل بصفته شأناً يتصل بوجدانهم.
وهذا لا يعني أنهم لا "يفهمون بالسياسة"، فهم كغيرهم يحللون ويناقشون في شتى القضايا السياسية وبمواصفات تحقق شروط النقاش السياسي بالحد الأدنى، بمعنى تحييد أو تأجيل المشاعر، ولكنهم هذه المرة وفيما يتصل بسورية، وبغض النظر عن تنوع مواقفهم من النظام وخصومه، فإن الأمر بالنسبة لهم كبير وعلى صلة وثيقة بالوجدان وربما بالوجود ككل.
يبدو والله أعلم، ان الحاجتين صفية وأم يوسف، تدركان عمق المؤامرة حتى لو لم تتقنا لفظ الكلمة الدالة عليها.
التقييم : 5.00 من 5(6صوت)
متأخراً بعض الشيء، حدثني صديقي عن أن والدته، الحاجة صفية، وهي الفلاحة الثمانينية حزنت كثيراً وبكت عندما سمعت بقرار وقف عضوية سورية في الجامعة العربية، وقالت له أنها منذ وعت على الدنيا وهي تسمع عن صلة سورية مع العروبة، وأن كلمات مثل عرب وعروبة عندها ارتبطت الى درجة كبيرة بسورية، أنها الآن قلقة.
أم يوسف، وهي أيضاً فلاحة ثمانينية، لديها مشاعر تختلف قليلاً عن مشاعر زميلتها الحاجة صفية، وكلتاهما من الرمثا. أم يوسف يشغلها القتل وصور الضحايا في سورية، وهذا هو ما يبكيها. في البداية كانت ترى أن النظام هو الذي يقتل، ثم أخذت ترى أن الطرفين يقتلان، ثم أخذت تقلق من حجم وعدد الأطراف التي تشارك بالقتل، وصارت مؤخراً تناقش مع نفسها فكرة "المؤامرة"، إنها تلفظ كلمة "مؤامرة" بارتباك وخجل لأنها ليست من الكلمات الدارجة شعبياً، وخاصة الهمزة على الواو التي يلفظها الفلاحون الأردنيون واواً صريحة، لكن ذلك غير ممكن في كلمة "مؤامرة" لأنها تصبح بلا معنى. غير أن أم يوسف في المحصلة تتساءل ببساطة: لماذا لا يستقيل الرئيس كي يفشل هذه التي يقولون عنها: "المؤامرة"؟
الحاجتان صفية وأم يوسف، نموذجان لموقف شريحة من الأردنيين الذين لا توجد عندهم مسافة تفصل بين المشاعر والمواقف. وهؤلاء ينفعلون الآن كثيراً بما يجري في سورية ليس بصفته شأناً سياسياً، بل بصفته شأناً يتصل بوجدانهم.
وهذا لا يعني أنهم لا "يفهمون بالسياسة"، فهم كغيرهم يحللون ويناقشون في شتى القضايا السياسية وبمواصفات تحقق شروط النقاش السياسي بالحد الأدنى، بمعنى تحييد أو تأجيل المشاعر، ولكنهم هذه المرة وفيما يتصل بسورية، وبغض النظر عن تنوع مواقفهم من النظام وخصومه، فإن الأمر بالنسبة لهم كبير وعلى صلة وثيقة بالوجدان وربما بالوجود ككل.
يبدو والله أعلم، ان الحاجتين. ( العرب اليوم )