ضياع الوساطة

اسلوب العلاج بالصدمة الكهربائية لا ينفع في الديمقراطية .
كنا نتمنى ان يكون معالي الدكتور بسام العموش قد فتح كوة في جدار مقاطعة جماعة الاخوان المسلمين للانتخابات النيابية المتوقعة نهاية العام، لأن لا معنى للانتخابات اذا لم تبذل الدولة جَهدا من اجل استعادة الاطراف السياسية والحزبية كافة من الشوارع للانخراط في العملية السياسية والمشاركة في ورشة الاصلاح ومحاربة الفساد، ولا معنى للانتخابات اذا لم تقدر القوى الحزبية طبيعة المرحلة .
للاسف خذلنا رد المراقب العام للجماعة الشيخ همام سعيد الذي نفى امكانية القبول بحلول وسط مؤكدا عدم "عودة" الاخوان الى الانتخابات الا باجراء التعديلات الدستورية التي يطالبون فيها وتعديل قانون الانتخاب بما يتعدى الصوتين.
لا نود الدخول في تفاصيل اللقاءين بين بعض قيادات الاخوان والوسيط العموش الذي كلفه جلالة الملك عبدالله الثاني بالمهمة، لان التفاصيل تشير الى "تفاهم اولي" حول تعديل قانون الانتخاب وتاجيل المطالب الاخرى، الا ان رد المراقب العام يعني ان الوساطة انتهت بسبب تباين الآراء الداخلية وان "الاخوان " ماضون في شروطهم، لا بل هم يلمحون الى ان عودتهم مرهونة بالعودة الى قانون انتخاب شبيه بقانون 1989.
وهنا نكون قد دخلنا في معركة جديدة ليست مع الدولة بل مع القوى الحزبية والسياسية والاجتماعية التي لا تقبل بقانون الـ 89 الذي يرى "الاخوان" عليه من اجل السيطرة على السلطة التشريعية واخذ اغلبيتها، في إطار الصراع على "الحكم" وتغيير طبيعة النظام القائم.؟"
ان الربيع العربي، اعطى قوة دفع للجماهير العربية لتطالب بحقوقها المشروعة قياسا على تجارب الاستبداد وعبادة الفرد والظلم وغياب العدالة وضياع حقوق الانسان، لكن على من يطرح نفسه بديلا ان يكون مقنعا للناس وان يكون بديلا يحمل البرنامج الذي كافحت من اجله الجماهير، لا ان نعود الى العهد السابق بتبديل الاستبداد من شخص الى حزب او فكرة .
يخطىء من يعتقد ان الاردنيين الذين يطالبون بالاصلاح ومحاربة الفساد وينتقدون الممارسات الخطأ سينجرون الى معاداة نظامهم السياسي ويلتحقون بدعوات مشبوهة نحو المجهول" لتغيير بُنية النظام"، في ظل الرمال المتحركة والميوعة السياسية في الاقليم.
ان التغيير في المجتمعات العربية ليست مهمة سهلة او انتقالا اوتوماتيكيا بل هي عملية شاقة تحتاج الى تغيير في بُنية المجتمعات قبل الانظمة، لتدفعها الى القطيعة النفسانية والذهنية مع الاستبداد، فالديمقراطية بحاجة الى قاعدة قانونية واقتصادية واخلاقية وثقافية تستطيع حمل فكرة التغيير والانتقال الديمقراطي وادامته.
نعم نحن بحاجة الى اصلاح النظام السياسي وعقد صفقة حقيقية تحت سقف مرجعية الدولة والنظام الملكي النيابي من اجل اغلاق ملفات الفساد والاستجابة للمطالب الشعبية والشروع ببناء الدولة الحديثة التي تتواءم مع المرحلة الجديدة القائمة على الشفافية والمساءلة والحداثة، من دون الاصرار على اسلوب العلاج بالصدمة الكهربائية واشتراط معرفة نتائج صناديق الاقتراع قبل بدء عملية الاقتراع نفسها.
ان العناد السياسي لن يقود الا الى الصدام مع المجتمع وبقاء الحوار في الشارع يُفوّت فرصة الاصلاح، فصناديق الاقتراع ليست هي الاصلاح او الديمقراطية بل هي جزء من عملية كبيرة مستمرة وشائكة . ( العرب اليوم )