الفيلم البذيء لا المسيء!

حينما فرغت من مشاهدة الفيلم الذي قيل أنه «مسيء» لحبيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكثت فترة من الوقت، وقد عقدت لساني الدهشة، وشعرت أن الدم يغلي في عروقي، فهذا العمل الرديء ليس مسيئا فقط، بل هو من الفحش والبذاءة إلى درجة لا يمكن أن يصدقها أحد، وتنزيها لهذا المكان وقرائه لن أتحدث عما تضمنه من قذارات لا يمكن وصفها، فهو لم يترك شتيمة أو جريمة أو بذاءة إلا وألصقها بسيد الخلق وأشرفهم وصحبه ونسائه وأتباعه، فيما قدس أصحاب الديانات الأخرى، بخاصة اليهود، وأنا على يقين، أن الذين خرجوا في تظاهرات في مصر وليبيا محتجين على الفيلم، لو رأوا ما رأيت، ربما فعلوا أكثر مما فعلوه بكثير، فهذا الفيلم دعوة صريحة ومفتوحة لفتنة طائفية طاحنة، وهو بمثابة إعلان حرب على الإسلام والمسلمين!
قبل تظاهرات مصر وليبيا لم يسمع الأمريكيون بهذا الفيلم، ولو لم تحصل هذه التظاهرات لما عرف به أحد، فهو عمل وضيع من حيث المحتوى والمستوى الفني، وطبعا لو لم يتبجح منتجوه ومخرجه اليهودي بهذا الفحش، لما خرجت الجماهير الحاشدة في أرض الثورة: مصر وليبيا، لتهاجم سفارتي واشنطن، وهنا لا بد من كلمة حق، فلسنا مع قتل أحد من الأمريكان ضيوف بلادنا، فهذا عمل لا يمت للإسلام بصلة، ولا يمثل المسلمين، فلا يبيح الإسلام قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وسفير الولايات المتحدة في ليبيا وموظفوه الذين قتلوا «فرق عملة» كما يقال، لا شأن لهم بهذا الفيلم الوضيع، وليسوا مسؤولين عن إنتاجه، ونشعر بالأسف لمقتلهم، ولكنها بصراحة رسالة نرجوا أن تصل إلى «المعنيين» الذين حسبوا أن العرب بعد الثورات هم نفسهم قبل الثورات!
مشهد المصريين والليبيين الثائرين انتصارا لرسولهم -عليه الصلاة والسلام- استدعى على الفور مشاهد مستفزة، لطالما حرقت أعصابنا، ووضعت ملحا أجاجا على جروحنا. طبعا هذه المشاهد لم تبدأ يوم خرج «موشي دايان» بعيد احتلال القدس في العام 1967 هو وجنوده يصرخون بهستيريا: محمد مات مات وخلف بنات، ولم تنته بمشاهد القتل البشع لأطفال غزة وبيروت وبحر البقر وأفغانستان والعراق، مرورا بكم هائل تختزنه الذاكرة من المذابح التي ارتكبها يهود وأمريكان وغربيون، ولكنها على كل حال، تقول لنا ولهم وللمعني بالأمر، إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- مات شأنه شأن البشر، فهو رسول بشر خلت من قبله الرسل، ولكنه بالتأكيد خلف من البنات والبنين، ما نفاخر به الدنيا، ولا نزيد كثيرا هنا، فالأيام والسنوات القادمة حبلى بما يسوء من ساء ويسيء، (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)!
نقدر كثيرا كل من تبرأ من الفأر المختبئ في جحره مخرج الفيلم القبيح المدعو «سام باسيل»، من أقباط وغيرهم، فقدره كما نظن، أن يعيش مختبئا كما هو شأن الزنديق «سلمان رشدي»، ومن هو على شاكلته، وأملنا أن يضرب عقلاء الغرب على أيدي سفهائهم، فلا يجترئوا على ديننا وأعراضنا، وأن يفهموا أيضا أن المسلمين ودعوا عصر الذل والخنوع، وبدأت رحلتهم نحو استرداد كرامتهم وكبريائهم وثرواتهم أيضا، وهذا ليس كلاما مرسلا، فمن يقرأ ما يكتبه مفكروهم وكتبهم يعرف أنهم يعرفون ما يعني تماما!!
( الدستور )