صوت وطنيّ مسؤول

أجرتْ فضائيَّة "الميادين"، أمس الأوَّل، حواراً مطوّلاً مع المعارض السوريّ البارز، الدكتور هيثم منَّاع، ابن درعا المقيم منذ اثنين وثلاثين عاماً في باريس. فكانت إجاباته على أسئلة تلك الفضائيَّة وثيقةً ناصعة تبيِّن الفواصل والحدود الضروريَّة بين المعارضة الوطنيَّة المسؤولة الحريصة على حريَّة وطنها وسلامته وبين المعارضة المشبوهة المرتبطة بالخارج وأطماعه ومشاريعه العدوانيَّة.
ولقد أوضح منَّاع، بجرأة وأمانة، أنَّ مفاتيح ما يجري في البلاد لم تعد بيد المعارضة، وأنَّ ثمَّة دولا أدخلت الحراك الشعبيّ السوريّ في منطق السلاح، وأنَّ الثورة المضادَّة أصبحت قوَّة فعليَّة على الأرض السوريَّة، وأنَّ المواطنين السوريين يرفضون المسلَّحين الذين قدموا إليهم من الخارج، مِنْ جنسيَّات عربيَّة وأجنبيَّة؛ حيث أخلى أهل حلب المناطق التي انتشر فيها هؤلاء.. احتجاجاً عليهم. بل إنَّ بعض المواطنين في جنوب سوريَّة هدَّدوهم بالقتل إذا لم يغادروا مناطقهم. وأشار إلى أنَّ المسلَّحين القادمين من الخارج يحطِّمون مشروع سوريَّة الديمقراطيَّة، طالباً منهم أنْ يتركوا السوريين لشأنهم. مؤكِّداً أنَّ هؤلاء لا يفهمون سوريَّة والسوريين؛ فهم يتحدَّثون بخطاب طائفيّ ومذهبيّ بغيض، إذا أُتيح له أنْ يتسيَّد فسيدمِّر سوريَّة. وذكَّر بانَّ الثورة السوريَّة الكبرى ضدّ الاستعمار الفرنسيّ قامت على أساس المبدأ العظيم القائل: "الدين لله والوطن للجميع". فهذا هو الذي وحَّد السوريين، آنذاك، وحشدهم معاً ضدّ المستعمر، وحال دون نجاح مخطَّطات هذا الأخير في بثّ الفرقة الطائفيَّة بينهم وتقسيم وطنهم. وأكَّد أنَّه لا يمكن بناء الديمقراطيَّة ودولة المؤسَّسات بقيم ما قبل رأسماليَّة. ورفض تكرار النموذج العراقيّ في سوريَّة. وقال إنَّ ضرب الدولة السوريَّة يعني ضرب الجيش السوريّ، ورفضَ تسمية الجيش السوريّ بالجيش الأسديّ والدولة السوريَّة بالدولة الأسديَّة.. الخ. وقال إنَّ بقاء الدولة شرط واجب لإقامة الديمقراطيَّة، كما رفض أنْ يأتي العربيّ وغير العربيّ إلى تركيا فيحصل منها على أوراق مزوَّرة ثمَّ يدخل سوريَّة ليقاتل فيها بشعارات طائفيَّة ومذهبيَّة. ورفض التدخّل الخارجيّ والدعوات لوضع سوريَّة تحت الفصل السابع وفرض الحظر الجويّ عليها. كما أنَّه أكَّد حرصه على الاتِّصال بجميع الأطراف الدوليَّة والمحليَّة، على السواء، وليس بطرفٍ دون الآخر، أو قطبٍ دون الآخر؛ وذلك لضمان استقلال موقفه. وهو ما يميِّزه عن أولئك الذين رهنوا موقفهم لحلف الأطلسيّ والولايات المتَّحدة والخليج، وأشهروا عداءهم، بالمقابل، للصين وروسيا وإيران ودول البريكس ودول أمريكا اللاتينيَّة وكلّ دولة لا تساير الأطماع الأمريكيَّة والأطلسيَّة في سوريَّة والمنطقة.
لقد غُيِّب صوت المعارضة الوطنيَّة السوريَّة، طويلاً، تحت ركام الضجيج الكثيف لإمبرياليَّة الإعلام، التي تعمل ليلاً نهاراً، لدفع السوريين باتِّجاه العنف، والتدمير، والانقسام الطائفيّ والمذهبيّ، وتخريب إنجازات بلدهم الاقتصاديَّة وبنيته التحتيَّة، وإضعاف جيشهم وتمزيقه. وفي ما يخصّ هذه النقطة، تحديداً، تساءل منَّاع، بصيغة استنكاريَّة، عن "الفائدة مِنْ ضرب قاعدة للدفاع الجويّ لأيّ ثورة في العالم". والهدف مِنْ كلّ هذه العمليَّة، بالطبع، هو شطب سوريَّة الدولة (وليس النظام وحده)، من ميزان القوى في المنطقة، لصالح "إسرائيل".
وهذا الصوت المسؤول، الذي عبَّر عنه هيثم منّاع، ليس صوته وحده، ولا صوت هيئة التنسيق وحدها؛ بل هو صوتٌ يتنامى باضطراد في أوساط المعارضة الوطنيَّة السوريَّة؛ في حين أنَّ دور المراهنين على الخارج والمرتبطين به، يتراجع، باستمرار، ويخسر مع تزايد انكشاف حجم الأكاذيب التي روّجها (ويروِّجها) إعلام العنف والتدمير بشأن ما يجري في سوريَّة، واتِّضاح حجم المأساة المترتِّبة على ذلك، واتِّضاح حقيقة أنَّ الشعب السوريَّ، سواء منه ما هو محسوب على المعارضة الوطنيَّة أو على النظام أو مَنْ لا يرتبط بأيٍّ منهما، يرفض تماماً ما يجري في بلاده ويُدبَّر لها، ويتمسَّك باستقلالها وحريَّتها وقوَّتها ومنعتها ووحدتها. وأنا أعتقد أنَّ إرادة الشعب السوريّ هي التي ستنتصر في النهاية، رغم كلّ تدابير أعدائه وخططهم ومؤامراتهم . ( العرب اليوم )