واشنطن مطالبة باعتذار بعد أن فقدت البوصلة

لا يمكن أن يفسر سماح الولايات المتحدة الأمريكية بعرض فيلم يسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بدور السينما سوى أنها راهنت على إثارة فتنة تنوي من خلالها إشعار فتيل ازمة بين الأديان ؛على اعتبار أن الشرق الأوسط الذي يشهد غليانا في الربيع العربي، يحوي في طياته تنوعاً دينياً وحضارياً غير التقسيمات الفكرية والعقائدية المختلفة.
لكن ردة الفعل لم تكن متوقعة لدى واشنطن مثلما ابلغت في وقت سابق سفارات عربية بأن محمد مرسي لن يكون رئيسا لمصر، وراهنت بشكل يثير السخرية على فوز أحمد شفيق، وعلى أساس تلك النبوءة تعامل أصحاب القرار مع الإسلاميين في بلادهم كل على طريقته.
ردة الفعل غير المتوقعة بدأت بتظاهرات عشرات الآلاف في الدول العربية، تزامنا مع بيان مشترك لـ 120 منظمة قبطية حول العالم طالبت فيه السلطات الأمريكية رسمياً بوقف عرض الفيلم المسيء للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم وتقديم اعتذار، وليس أخيرا مقتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا كريستوفر ستيفنز، وثلاثة موظفين أمريكيين في هجوم استهدف مقر القنصلية.
في المقابل، فإن قلة من الجهلة اعتبروا ردة الفعل غير حضارية على اعتبار أن هنالك حرية تعبير مصانة عالميا، سواء كانت بنشر او رسم أو أفلام، غير أن هؤلاء يجهلون أن الفيلم يمثل انتهاكًا واضحًا للتعديل الأول من الدستور الأمريكي الذي قضت المحاكم الأمريكية بأنه يحظر الحط من قدر أي دين من الأديان، وعدم تناول الأديان والأعراق -سواء بالمدح أو الذم- وعدم الإساءة إلى أي ثقافة أو عرق أو جنس أو أصل وطني أو دين، وهي متبعة في معظم دول الغرب.
واشنطن تجد نفسها مرتبكة تجاه ما يحدث في الشرق وحتى امتدادا لإيران، فهي ترى طهران بالدرجة الأولى عدوا اسلاميا قبل أن يكون الملف النووي أداة أو وسيلة، وفشلها الأخير في العراق بعد أن أخفقت في الرهان على مسألة "سنة وشيعة"، واعتراها الخوف من موجة تدعي بأنها إسلامية طافت كلاً من مصر والمغرب وتونس وليبيا واليمن وحتى العراق وسوريا.
قبل أيام روجت وسائل إعلام غربية وجود خلاف حاد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، تبعه هجوم لفظي من الأول وغير متوقع على الحكومة الأمريكية؛ بسبب موقفها من البرنامج النووى الإيراني.
تلك ألاعيب الساسة أينما كانوا، لكن واشنطن التي كانت قبل ايام تحد على ضحايا أحداث الحادي عشر من ايلول، تجهل أن قواعد اللعبة تغيرت، وما عادت مخططات التقسيم والتوزيع تجدي مثل ذي قبل، خصوصا أن أداوتها الرئيسة في المنطقة تغيرت وحل محلها من هم مختارون من الشعب الذي هو بالأصل العدو الأول لأمريكا و"إسرائيل".
حادثة الفيلم لن تمر بسلام مثلما حدث في قضايا سابقة، بل هذه المرة ستكون مختلفة تماما، خصوصا ان مناطق نفوذ تلك الدولة الكبرى باتت تضيق إلى درجة حالة ارتباك، ابرز مؤشراتها خيبات الظن والتخمينات التي لم تعد مؤكدة في منطقة مضطربة تفرز كل يوم حدثاً مفاجئاً وغالبا ما يكون جديداً. ( السبيل )