الكرسي المثقف وثقافة الكرسي

كثيرة هي التجارب التي رأيناها وأصابتنا الخيبة من بعضها، بينما استبشرنا خيراً وفرحنا ونحن نراقب أداء مثقف نال منصباً رسمياً خاصة إذا كان من مناصب الثقافة أو الاعلام أو الفن ، سواء كان كاتباً او شاعراً او فناناً تشكيلياً او مخرجاً أو صحافياً أو أكاديمياً وكاتباً أو أديباً، حيث كنا وما زلنا نعتقد أن هذه النماذج من الكفاءات هي الأقدر على تفهم مشاكلنا ورغباتنا لأنها منا ولا شك أنها عانت معنا وعرفت وجع الداء وبالضرورة لديها وصفة الترياق والدواء.
لكن على ما يبدو أن للكرسي سحره الخاص الذي لا يستطيع المبدع أن يتواءم معه، فتكون النتائج بالتالي كارثية عليه وعلى الحركة الابداعية، وأنا هنا لا أخصص حالة معينة وموجودة إنما أتحدث بشكل عام فكلنا يعرف المصير الذي آل اليه بابلوا نيرودا والراحل محمود درويش حين ترك المنصب وبقي شاعرا رغم ذيول المنصب التي ظلت تلاحقه، وعرار الذي جعل منصبه كمدعي عام في خدمة المواطن قبل الحكومة إن لم يكن ضدها رغم أنه كان يمثلها ولهذا لم يستمر طويلاً في منصبه، واختار الابداع على الوظيفة الرسمية.
ولدينا شعراء وأدباء ومخرجون وفنانون تقلدوا مناصب عديدة، ومنهم من تقلدها لعدة مرات لكن الغالبية العظمى منهم غلبوا جانب الكرسي وبقاءهم عليه أطول مدة ممكنة متناسين إبداعهم الذي أوصلهم الى ما وصلوا اليه، حتى أن بعضهم لم يكتب سطراً أدبياً أو صحافياً ولم تترطب ريشته بلون أو هجر الكاميرا ونسيها، وفي كل لقاء معهم كانوا يفهموننا أن السلطة لم تأخذهم، وحقيقة الأمر أنها أخذتهم وأخذتنا معهم نتيجة عدم قدرتهم على الدفاع عنا أو الوقوف في صف الابداع الذي أفرزهم.
ما الذي يمنع الكرسي المثقف من أن يحمينا ويحمي ثقافتنا حماية إغلاقية تمنع عنا الثقافات الواردة علينا من الشبابيك الفضائية التي دخلت في كل تفاصيل حياتنا وحياة أبنائنا وبناتنا إلا بريق ولمعان الكرسي، لماذا لا نفعل أي شيء إبداعي غير ردات الفعل على أفعال يبتدعها أعداء أمتنا ويتفننون في إبداعها لنقوم نحن بوظيفة رد الفعل الذي يريدونه بالضبط ويسيطرون علينا به أكثر، تماماً مثلما يحصل الآن وحصل بالنسبة للفيلم المسيء لرسول صلى الله عليه وسلم، فلم نفعل نحن إزاء هذا الموضوع ومواضيع كثيرة غيره، غير ردات الفعل الغاضبة أو المغضبة بفعل فاعل لغايات يريدها، وبعد أيام ستعود الأمور الى مجاريها بانتظار حدث آخر لنقوم نحن بردة فعل غاضبة أخرى ولا شيء غير ذلك.
أليس فيما ذكرت شيئ من موجبات ضرورة وجود الكرسي المثقف المتسلح بالمعرفة ليحمينا ويوظف ردات فعلنا توظيفاً يخدمنا ويخدم ثقافتنا وعقيدتنا أكثر من الذي ينتظر من الكرسي أن يثقفه هو في كيفية الحصول على المغانم من منصبه فقط، غير عابىء بأي شيء آخر ؟!! وهل نريد نموذج الكرسي المثقف أم أننا سنظل عبيداً لثقافة الكرسي؟ ( العرب اليوم )