الحكومة والمعارضة وكنترول الباص

تم نشره الخميس 04 تشرين الأوّل / أكتوبر 2012 12:59 صباحاً
الحكومة والمعارضة وكنترول الباص
د. رحيّل غرايبة

الشعب الأردني كله والحكومة والمؤسسات والمعارضة وكل القوى السياسية والزعماء والموظفون في القطاع العام والخاص، نحن جميعاً من الرئيس إلى كنترول الباص بحاجة إلى دورة في الاسترخاء والتهدئة وإراحة الأعصاب، وتقليل منسوب التوتر، وإرساء ثقافة أردنية جديدة تقوم على التفاهم والتعاون والاستيعاب، والملاطفة والملاينة في الالفاظ والسلوك، والتدرب على الابتسامة العريضة، وتقليل منسوب التجهّم وتخفيف حدة الجديّة الزائدة التي تبدو على وجوه المسؤولين الكبار والصغار، وعلى وجوه الأغنياء وميسوري الحال كما هي على وجوه الفقراء والمعوزين، والكبار والصغار، والرجال والنساء.


هذا التوتر الزائد الذي يسيطر على الحياة الأردنية بأسرها، يمثل سبباً رئيساً وعاملاً أساسياً في بروز كثير من مظاهر العنف والعلاقة المتشنجة بين مختلف الثنائيات على جميع الأصعدة، بحيث أصبح ذلك ثقافة أردنية بامتياز، وأصبح علامة تجارية مطبوعة في البيت والمدرسة والجامعة والسوق والإذاعة والتلفزيون والصحيفة، والحكومة والمعارضة على حد سواء.


هذا المظهر وهذا النمط من الحياة بحاجة إلى بحث واستقصاء ومعالجة، لأنه أصبح يتطور بطريقة مثيرة تنعكس على ادارة الدولة برمتها، وأصبح يشكل أرضية حقيقية لكثير من القرارات السياسية فضلاً عن القرارات الادارية بمستوياتها المتباينة، كما انه يمثل البيئة الحقيقية لكثير من حوادث العنف ومظاهر الشقاق المتزايدة يوماً بعد يوم، على امتداد الساحة الأردنية.


وفي تحليل سريع لسيكلوجية "الأردني" نجد أنه يسارع إلى لغة التحدي والثأر للكرامة، إذ كثير من حالات الطلاق التي يلجأ اليها الرّجال تستند إلى قرار ثأري لكرامته، وتلجأ كثير من النساء إلى الخلع حفاظاً على كرامتها وثأراً للإهانة التي تعرضت لها، وتنشأ كثير من حوادث السير نتيجة شعور بعض السائقين بالتحدي، ويفسر خطأ الآخرين بأنه اهانة واستخفاف وتحدٍ، وينطبق هذا على تفسير كثير من حوادث الشجار والعنف بين طلاب الجامعات، إذ إن الشرارة تبدأ من شعور نفسي بالتعرض للإهانة والحط من الكرامة، له أو لعشيرته أو لصديقته أحياناً التي يجب اشعارها بالحميّة والرجولة التي تقتضي الرد الخشن المصحوب بالاستعلاء واستعراض القوة.


هذا الشعور يختزن في نفوس نسبة كبيرة من المواطنين، يتحلى في سلوكه الذي يعتمد على مقدار ما يتمتع به الشخص من سلطة ونفوذ، أو الشعور بالتفوق البدني أو الشعور بالعزوة العشائرية (عد رجالك وارد الماء) أو يتأتى من الشعور بالغنى والثروة أو امتلاك السيارة الفارهة، أو بما يتمتع به من صلاحيات مثل مراسل في محكمة أو آذن في دائرة الأراضي أو حارس بوابة أو شرطي مرور، أو كنترول باص الذي يمارس القاء الأوامر على الركاب في كيفية الجلوس والنزول حتى لو كان الراكب دكتور جامعة.


نجد أن هذا التحليل ينطبق أيضاً على سلوك الحكومة والمعارضة تماماً، فالحكومة تفسر سلوك المعارضة تحدياً وليّاً للذراع، واعتداءً على هيبة الحكومة واستخفافا بالسلطة، ويتم ترجمة هذا الشعور إلى قرارات وإجراءات كبيرة تجعل البلد كله يقف على رجل واحدة، وقد يؤدي هذا الشعور إلى الصدام والعنف ويتطور إلى نزاع كبير له آثار عميقة على كل الأطراف.


والمعارضة أيضاً تخضع للشعور نفسه، ويسيطر عليها أن قرارات الحكومة تمثل استهانة بالمعارضة واستخفافاً بالشعب وقواه السياسية، واعتداء على الكرامة العامة حيث تحتاج إلى تحدٍ مضاد واستخراج كل مظاهر القوة "ورحم الله أمرءاً أظهر اليوم من نفسه قوة".


يبدو أننا أمام حقيقة بارزة للعيان، إذ يجب أن نعمد جميعاً إلى الاسهام في تخفيف الاحتقان المتبادل، وتخفيف منسوب التوتر، وإرساء ثقافة الاصلاح ومفاهيم الاصلاح عبر اللجوء إلى الحوار المباشر المسؤول والتوافق على المبادئ العامة والقواعد الرئيسية، والعودة إلى التفاهم بطرق سلمية حضاريّة بعيداً عن لغة التحدي والتشنج والتعبئة والتحريض، والتحدث بلغة الشركاء في القارب الواحد والسكان في السفينة الواحدة الذي يقتضي اعتماد منطق التفاهم خياراً مفضلاً لدى كل الأطراف، وهذا يستدعي بروز العقلاء الذين يملكون القدرة على الاستيعاب ويتحدثون بلغة دافئة تطفئ الفتنة، ولا تطلق الشرر، وصدق الله تعالى القائل: "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر".

( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات